رغم أن إيماني مباشر بالله دون الحاجة للأديان، إلا أنني قرأت القرآن ستةً وعشرينَ مرة، مذ كنت في الثاني الابتدائي، كوني تعلمتُ القراءة قبل دخولي المدرسة بفضل الصحف التي كان والدي يجلبها للمنزل يومياً، وزدتُ على ذاك بحفظي الجزء الثلاثين منه في السادس الابتدائي، فوجدتُ تعابيره أعظم من أن يصوغها لسان، ويفصح مثلها بيان، فطاب لي أيما استطابة، حتى وقع بيدي كتابٌ ذاتَ يومٍ علمتُ منهُ حجمَ ماتركهُ كتابُ محمدٍ النبي الفذ والقائدُ التاريخي في ألسنة العرب..</p><p> كان ذاكَ كتابُ (المستطرف من كل فنٍ مستظرف)، لشهاب الدين أحمد بن محمد الأبشيهي، وقد جمع بهِ من نوادر العربِ أطيبها، ومن قصصهم أحسنها، فأدركتُ في حواراتهم وشعرهم كم جعلوا من القرآن وآياتهِ حَكَما، وكم لاكوا تعابيرهُ كَلِما، حتى انعكست آياتهُ على شعرهم ونثرهم وأدبهم بما استطاب لخلفاءِ عهدهم، وولاةِ أمرهم، ولم يكُ كفراً أو زندقة، فإنما الكفرَ في الأسلامِ هو أن تأتِ بقولٍ تنسبه للقرآن وتدعي إنه منزلٌ من الله عليك، كما فعلت سجاح التميمية ومسيلمة الكذاب ومن سواهم، إلا إن حب الأدب لنص القرآنِ واستطابتهِ في الكلام إنما هو حبٌ للغته، واستجمالاً لتعابيره، وغوصٌ في قصصه، واستحكامٌ لمقيله..
إلا أن الجهلَ بالأدبِ ولسانه، والاستحكامِ الى التحريمِ والتحليلِ دونَ درايةٍ ولاعلم، جعل التكفيرَ تهمةَ أرباب الخليقة على الأرض، فهم الربُ ولا ربٌ سواهم، لايختلفون عن القتلةِ باسم الدين بشئ، ولا لشئٍ إلا لكونهم يجهلون الأدب، ويقدمون سوء الظنِ على أحسنه، فهم يفتون بما لايفقهون، ويحرمون ويحللون، وإنما هو جهل العقول، وبداوة النفوس.
ثم أننا في حديثنا نقول: لاتفعل كذا ولا هم يحزنون، وفي ذلك اقتباسٌ من القرآن بقوله (لاخوف عليهم ولاهم يحزنون)، فلم يعتبروه كفراً رغم أن مطلع القول قد غيرهُ المتحدث، فانظر كيف يحكمون.
كما أننا نقول أحيانا: فلانٌ إلى جهنم وبئس المصير، وهو اقتباسٌ آخرٌ محوّر، فالله لم يذكر اسمَ فلانٍ في كتابه، بل أنت من فعل، وغضوا عن ذلك أيضاً.
ويقولُ ثالث: هل إن فعل كذا وكذا عليك غفورٌ رحيم، وعلينا شديدُ العقاب؟ فوزع القائلُ هنا العقابَ والثواب كما يشتهيه، وغضوا عنه كذلك.
ويقول رابع: بل فلانٌ كالأنعامِ وأضلُ سبيلا، والله لم يأتِ باسمِ فلان، بل هو تحويرٌ آخر، وغضوا كذلك..
وغيره الكثير..
ومن هنا تعلم كيف إن الجهلَ يعيثُ بالعقول، ويأت بشمس العقلِ للأفول، ويورثُ العداء، ويصنع الغباء، فلم يتفكر أحد هؤلاء في أمرِ حديثه قبل أن يُكفرَ غيره، فانظر لحديثك ترى ماتفعله بنفسك في آياته، رغم إن الحالين لا يكفّران، وانظر كيف نفرت الأمم من القرآن بفعل كراهيتهم من تصرفك، وكيف عادتك وعادتهُ بفعلِ عدائهم لأسلوبك، يدافع أحدكم عنهُ بأقذع الشتائم، وهو الذي ورد فيه قول: ولو كنت فظاً غليظَ القلب لانفضوا من حولك.
ورغمَ إنّ نبي العرب قد قال: إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق؛ فقد دافعوا عنه بنجاسة ألسنتهم، وقذارة عقولهم، فهم غثاءُ سيلٍ بلا تهذيب، ومدافعون بلا خلق، يريدون بذلك نصرة دينهم وهم وبالٌ عليه، ونقمةٌ فوقه.
فليتفكروا في قول الله في كتابه:
إنّا نحنُ نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون.
هل من مشكلة في استعارة التعابير القرآنية؟
رغم أن إيماني مباشر بالله دون الحاجة للأديان، إلا أنني قرأت القرآن ستةً وعشرينَ مرة، مذ كنت في الثاني الابتدائي، كوني تعلمتُ القراءة قبل دخولي المدرسة بفضل الصحف التي كان والدي يجلبها للمنزل يومياً،
رسلي_المالكي
تم نشرها في -
رسلي المالكي
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.