اذا نظرت الى كل تماثيله، ستجد وجها متجهما ونظرة حادة وحاجبان عنيفي النظرة، وهذه دلالة جدية وصرامة الرئيس وعدم مجاملته "اعداء الامة" و"الخونة" و" المتآمرين"، كما تبعث نظرته الرعب في نفوس المواطنين، لذا اراد صدام ان تستنسخ تماثيله وتتكاثر في الميادين العامة و الساحات في اخر ايام حكمه، عندما تحولت دولته الى دولة كارتونية، ليعوض ضعف قدراته الاخيرة وخسارته اسلحته المدمرة على يد الامم المتحدة بتماثيل تقول للعراقيين: "لازلت هنا، وبنفس القبضة الحديدية".
اما كف التمثال، ايا كان، الكف الذي يرفعه صدام كما هو الحال مع كافة تماثيله، فيبدو ان المصممين قد عمدوا الى تكبير حجم الكف نسبيا الى جسم التمثال، فكفه التي يرفعها امام شعبه كبيرة الحجم بالنسبة الى حجم جسم التمثال، و تبدو الرسالة من هذا ان كف الرئيس الواحدة تحتوي العراق كله، وانه بها يستطيع السيطرة على كافة مفاصل الوطن، وبالقوة التي يحتاجها كل مفصل لتتم السيطرة عليه.
اطوال التماثيل لم تكن ابدا قياسية، فتماثيله تبدي جسما ممشوقا واطول من نسب قياسات جسمه الحقيقي، صدام كان في اخر ايامه يحمل كرشا مترهلا ووجنات متغضنة، اما تماثيله فكانت ممشوقة الطول ونحيفة وطويلة الاجسام، وفي تلك رسالة مفادها، ان الرئيس لا يشيخ، ولا يضعف امام خط الزمن طال ام قصر.
اللباس العسكري والبيريات المنسبة وخيوط القاردون نحتت بعناية، فهو القائد العسكري المحنك الذي قاد فيالق الجيش العراقي العديدة في كل الحروب الى انتصارات العراق، ناسفا بذلك كل جهود القادة والاركان والضباط في حروبه، اما ما كان ينحت للضباط فهو فقط للشهداء منهم، كما هو الحال مع كورنيش البصرة، حين وضع صدام عشرات التماثيل للضباط والقادة والطيارين الشهداء باشارات اصابعهم عبر شط العرب نحو ايران، في رسالة مفادها: من هنا اعدائنا الازليين.
وكان من ضمن تلك التماثيل، تمثال الشهيد الفريق اول الركن الطيار عدنان خير الله، وزير الدفاع.
صدام يظهر بكل الملابس والازياء، فهو المدني المتحضر ببدلة انيقة، والعربي الشهم بزيه العربي والعقال، والقائد العسكري بزية الراقي، والخيال الماهر الذي يقود حصانه بيد ويرفع بالاخرى سيفا الى الامام، تحيط به الصواريخ والمدافع بذات الاتجاه، وهو الاستاذ العالم بسدارةٍ بغدادية ومعطف طويل، وهو الفارس العربي القادم من ايام صلاح الدين الايوبي الذي يعتمر قبة المسجد الاقصى بتماثيل يزن الواحد منها عشرات الاطنان وضعت فوق قصره الجمهوري، متجهمة صارمة..
والقائمة تطول.
يبدو ان جنون العظمة الذي استحوذ على الرئيس قاده الى جنون الحروب، فعندما يجد الانسان نفسه بكل هذا المجد وان كان مزيفا، يؤمن بواقع واحد: ليست هناك قوة تستطيع انتزاع ما املك، لن تزال كل هذه التماثيل ببساطة، لن يزال اسمي من جدران بابل المرممة، لن تزال صروحي وقصوري ابدا، وسأخلد ما بقي الدهر، او ستخلد بقاياي كما خلدت بقايا نبوخذنصر او حمورابي..
عندما دخلت الى قصر صدام حسين في بابل، وهو يقع على تلة اعلى من قصور نبوخذنصر كلها، وتحيط به جنة من الزروع والنباتات والاشجار، ويمر تحته نهر ازرق المياه، وتقبع اثار الاولين الى الدون منه، نظرت الى الافق الممتد امتداد ارض العراق الشاسعة، كان السقف عاليا فوقي للغاية، فيما تطل الشرفة امامي الى جنة تجري من تحتها الانهار، قلت في نفسي: اراهن على ان صدام عندما وقف هنا ذات مرة وراى ما اراه، قال في نفسه: انا ربكم الاعلى!
رسلي المالكي
20 لقاء 2 هجري
20 نيسان 2017 ميلادي
فيما يلي صور لعدة تماثيل لصدام حسين، معظمها بعدسات صحفيين اجانب.
تماثيل صدام ، رسائل من برونز
للتماثيل دلالات، اهمها الاثر النفسي لدى المشاهد، تماثيل صدام كانت ذكية وموجهة الى المواطن العراقي بشكل مدروس ..
تم نشرها في -
رسلي المالكي
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.