مقالات مختارة

سياسية, اقتصادية, اجتماعية

لماذا لم ينتحر السياب ؟!

قيم هذه المقالة
(0 تقييمات)
Print Friendly, PDF & Email
يمثل اصدار بعض الكتب حكاية طويلة من الوفاء والحرص والمواظبة ، تضاف الى ما تحمله بين طياتها من قيمة توثيقية وأدبية وانسانية ، وقد تلقي هذه الكتب الضوء على شخصية لم تأخذ فرصتها التي تستحقها في زمانها لأسباب ربما تكون ذاتية ، غير ان القدر يهيء لها من ينصفها ولو بعد رحيلها عن الحياة بعشرين عاماً .. هكذا هو كتاب ( نسق التلازم بين السياب والنائب ) ا الذي يسرد حكاية العلاقة الوثيقة بين الشاعر بدر شاكر السياب وصديقه الشاعر البصري عبد اللطيف النائب ، ويعرض الرسائل الخمس التي بعث بها السياب الى النائب في أقل من أربعة أشهر في عام 1943 وبداية عام 1944 والتي تنشر لأول مرة بعد مرور 73 عاماً على كتابتها بخط السياب نفسه ، فضلاً عن نشر ديوان النائب ( مسُ الضفاف ) مع قراءة في هذه الرسائل التاريخية المهمة في حياة الرجلين اللذين لم يخطر في بالهما ان هذه الرسائل ستجد يوماً ما ايادٍ وفية تعيدها الى الحياة بعد عقود من مغادرتهما الحياة .
كتاب الوفاء هذا خرج الى النور بجهود ومحبة ووفاء رافع ابن الشاعر النائب ، ومعه صديقه المعروف بطيبته وتواضعه ووفاءه ، الاعلامي والاكاديمي المثابر ضياء مصطفى الذي قدم قراءته الممتعة عن تلك الرسائل بعد اعدادها وجمعها من قبل الصديقين ، مع قيام الاستاذ الدكتور اياد عبد الودود الحمداني بمراجعة وتنقيح هذا الكتاب الذي ضم ايضاً تقديما بقلم الكاتب قاسم محمد علي اسماعيل يعرض بكلمات موجزة جميلة طبيعة تلك العلاقة الانسانية الراقية بين السياب والنائب ، والتي تظهر جلية واضحة في طريقة المخاطبة والشكوى والاحاسيس الرقيقة والمخاوف التي كان يبثها بدر شاكر السياب لصديقه الأثير ابن مدينته الشاعر عبد اللطيف النائب .
في رسالته الأولى بتاريخ 16 / 10 / 1943 التي يبدأها بالقول ( أرسل اليك هذه الرسالة وفي نفسي انقباض كالذي يعاود النفوس في امسية الشتاء الحزينة عندما تكون نائية عمن تحب ) يصف السياب بغداد بأنها موحشة ، شوارعها مقفرة وان ازدحمت بالسائرين .
وفي رسالته الثانية بتاريخ 11 / 11 / 1943 يخاطب النائب بالقول( ألا تعلم أن أخاك اصبح كالصخرة لا حزن يسمو به الى آفاق الشعر ، ولا سرور يمتلك به أعنة الوحي ، ولا حب يفتح أمام عينيه أبواب الجنان ، ولا بغض يؤجج النار في قلبي ) ! .
أما في رسالته الثالثة وهي الأخيرة في العام 1943 التي كتبها يوم 28/ 11 من بيت المطبخ في القسم الداخلي فأنه يبث شكواه من المرض وحزنه على سماع خبر زواج حبيبته هالة ( لقد جاءني نبأ من الريف ان الهالة سيختطفها عما قريب كوكب آخر .. ستتزوج .. وسوف أعود فأراها وهي " غير عذراء " متزوجة .. والفن لا ينبع الا من عيني العذراء وحب الشاعر لا يكون الا للعذراء ) ! ( هكذا كان يظن السياب ) !!
في الشهر الاول من العام 1944 يرسل السياب رسالتين في غضون اسبوعين لصديقه وابن مدينته أبي الخصيب يصرح في الأولى تصريحاً مهماً قد يلقي ضوءاً جديداً على نفسيته وآلامه ( وكثيراً ما فكرت بالانتحار والتخلص من هذه الحياة ، فأخاف ان افجع ابي المسكين بي .. ويعز علي أن أفارق الحياة في غير قريتي الجميلة .. إلا أن يأتي الموت عفواً ) ! غير انه في الرسالة التالية – وهي الأخيرة من رسائله الخمس – يبدو أكثر تفاؤلا لأنه سيلتقي صديقه قريباً : ( لقد تبددت ظلمات نفسي وعدت الى بعض التفاؤل لا لشيء الا لأنني سألتقي بهذا القلب الكبير المملوء بالاخلاص ، بعد أيام قليلة حينما تحل العطلة الفصلية ) لكنه لا يتوانى عن الشكوى .
لصديقه بسبب الحب وخفقان القلب وحرمانه حنان المرأة .
توفي السياب كما هو معروف بعيداً عن ( قريته الجميلة ) في 24 \12 \1964 بعمر 38 عاماً ، وتوفي صديقه النائب في 5/8 / 1996 بعمر 75 عاماً ( بعد وفاة السياب بأكثر من 31 عاماً ) غير أن الأبن البار الوفي رافع عبد اللطيف النائب أعادهما الى الذكرى بعد هذه السنين الطويلة في كتاب يحكي قصة الوفاء والمحبة الصافية الصادقة بين شاعرين صديقين ، ويكشف عن رسائل تعد ثروة حقيقية لمن يهمه البحث في حياة وهواجس ومخاوف وخيبات بدر شاكر السياب .
هو كتاب عن شاعرين صديقين ، أحدهما اكتسب شهرة واسعة ، والآخر فضل الصمت والانزواء ، لكن الأهم من ذلك كله انه كتاب عن وفاء وصداقة نادرة بين شاعرين في مثل هذا الزمان !
القراءات 330 مرة

اترك تعليقا

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.

Image

للتحدث معنـا

عـدد الـزيارات

مجموع الزيارات للمــوقع 78629

حاليا يوجد 20 guests ضيوف على الموقع

Kubik-Rubik Joomla! Extensions