رحلات الأدهمي على طريق الحرير: ما الجديد؟
شهدت السنوات الأخيرة ظهور دراسات أكاديمية، ونتاجات أدبية وتوثيقية مهمة في أدب الرِحلات، أعادت الروح لهذا النوع الأدبي الجميل الذي كانت له مكانة مرموقة في تاريخ الأنواع الأدبية العربية، وصنوفها الإبداعية، وكان للكتاب والأدباء العراقيين دور مشهود في إغناء المكتبة العربية بعدد كبير من الأعمال البارزة، التي تدخل في نطاق أدب الرِحلات، حصل بعضها على جوائز متقدمة في مسابقات عربية ودولية تهتم بهذا الصنف الأدبي، بحثاً ودراسة وتوثيقاً وتحقيقاً ورواية وتأليفاً.
ويأتي الكتاب الجديد لمحمد مظفر الأدهمي: «رِحلات الأدهمي على طريق الحرير من بغداد إلى الصين واليمن» ليمثل إضافة نوعية تغني مكتبة أدب الرِحلات العربية المعاصرة، بمؤلف جديد يعتمد السرد التوثيقي لرحلة مدهشة تقتفي أثر طريق الحرير. وتكتسب هذه الرحلة أهميتها لكونها قد تمت ضمن مشروع «طريق الحرير ـ طريق الحوار» الذي تبنته منظمة اليونسكو، وكان الأدهمي واحداً من أعضاء هذا المشروع الكبير، ممثلاً عن العراق مع مجموعة من العلماء والباحثين والآثاريين: «اجتمعوا من كل أنحاء الدنيا، ليعيدوا مجد طريق الحرير البرية والبحرية».
طريق الحرير
بعد مقدمة الكتاب التي يوضح فيها المؤلف ظروف تدوين يومياته ومشاهداته في رحلتي طريق الحرير واليمن، يتحدث في مدخل موجز عن بداية اهتمام اليونسكو بطريق الحرير، أو الطريق السلطاني، وسعيها لجمع التبرعات، وطلبها بإلحاح مشاركة العراق في هذا المشروع: «لأن بغداد والبصرة والموصل كانت من المدن العريقة على طريق الحرير» ثم اختياره من بين عدد من المختصين في الجامعات العراقية ليمثل العراق في هذا المشروع العلمي الحضاري المهم، وكذلك يتحدث في الفصل الأول عن الاجتماعات والرحلات من بغداد إلى باريس واليابان، بداية من الاجتماع الاستشاري لطريق الحرير، الذي عقد في مقر اليونسكو في باريس خلال مايو/أيار 1988 ثم عودته لبغداد ليترأس اللجنة الوطنية لطريق الحرير التي ضمت أساتذة مختصين: «في التاريخ والجغرافية والآثار، الذين بذلوا جهوداً كبيرة لإعداد دراسات عن دور العراق على طريق الحرير» وبعد ترجمتها إلى الإنكليزية، حملها الأدهمي إلى اليابان لتعرض في ندوة طريق الحرير التي أقيمت في مدينة أوساكا نهايات أكتوبر/تشرين الأول 1988.
من هنا تبدأ رحلة الإثارة والتشويق، من التوثيق إلى الوصف، من الاجتماعات الرسمية، إلى الجولات الاستطلاعية، ومن القاعات المغلقة، إلى الأرض والطبيعة والتاريخ والإنسان، تبدأ من مدينة شيان الصينية نقطة انطلاق طريق الحرير، التي شهدت هي الأخرى اجتماعاً استشارياً وافق على مقترح الأدهمي، بعقد الاجتماع المقبل في بغداد مع بداية مارس/آذار 1990 ليمهد إلى رحلة الصين، فضلاً عن تنظيم ندوة عن «دور العرب في نشر الإسلام والحضارة العربية الإسلامية على طريق الحرير».
رحلات الأدهمي
وتشمل رحلات الأدهمي في طريق الحرير كلاً من سلطنة عُمان وباكستان وداغستان والصين، التي خصص لها الباب الأول من الكتاب، في ما خصص الباب الثاني لليمن ومدينة إب اليمنية على وجه الخصوص.
في شيان يزور المؤلف لأول مرة سور الصين العظيم، وضريح الإمبراطور الأول لسلالة فن، وبوابة شيان التي كانت تنطلق منها قوافل طريق الحرير البري، وفي بكين يزور المدينة المحرمة، مقر إقامة الإمبراطور الصيني، التي كان دخولها محرماً على الناس إلا بإذن منه. ومن الصين إلى موسكو أيام الاتحاد السوفييتي، لينطلق الأدهمي إلى عاصمة تركمنستان إشكباد «عشق آباد» ومدينة مرو التاريخية، التي دخلت الإسلام على يد الأحنف بن قيس، وزارها ياقوت الحموي، وكتب عنها في «معجم البلدان» وهي المدينة التي كانت مركز خراسان أيام المأمون: «وأسرعتُ عندما عدتُ إلى بغداد إلى أستاذي صالح أحمد العلي لأقول له: لقد وصلت إلى (مرو) التي درسنا عنها على يديك، فأجابني ليتني كنت معك».
وفي اجتماع بغداد مارس 1990 تمت كذلك مناقشة موضوع الرحلة البحرية من البندقية الإيطالية إلى أوساكا اليابانية: «حيث وضع السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان سفينته الخاصة المسماة (فلك السلامة) مع طاقمها تحت تصرف اليونسكو، لاستخدامها في هذه الرحلة» كما تم تنظيم رحلة برية على طريق الحرير داخل العراق للباحثين والآثاريين والعلماء شملت مدن الحضر ونينوى وآشور وسامراء وأربيل وصلاح الدين وغيرها، ثم البصرة وبابل والنجف وكربلاء. وبعد مؤتمر بغداد بدأت رحلة الصين البرية التي شارك فيها الأدهمي مع عالم الآثار العراقي المعروف بهنام أبو الصوف، وكان الأول قد شارك قبلها برحلتين إلى باكستان وداغستان، وقام بتدوينهما في يومياته التي شملت مشاهداته الاجتماعية والآثارية والثقافية الإسلامية، وكل ما له علاقة بالحياة.
وما بين هذه وتلك كان الأدهمي قد دوّن مشاهداته في الهند التي زار فيها الحصن الأحمر، الذي بناه (جهان شاه) وما يحتويه من قصور ملكية، كما زار المسجد الجامع المقابل للحصن، ومنارة (قطب الدين إيبك) لينهي جولته في تاج محل الشهير « أما الرحلة البحرية التي بدأت في 23 / تشرين الأول/ 1990 وانتهت في 8 / آذار / 1991، واستغرقت أربعة أشهر ونصفا مَرَت خلالها بست عشر دولة، التي ابتدأت من إيطاليا مروراً باليونان وتركيا ومصر وعُمان وباكستان والهند وسريلانكا وتايلند وماليزيا وإندونيسيا وبروناي والفلبين والصين وكوريا الجنوبية، وانتهت باليابان، فلم تتح الفرصة لمشاركتي في هذه الرحلة بسبب فرض الحصار على العراق، وشن الحرب عليه بعد احتلاله للكويت، فحُرمت من سفرة العمر البحرية».
رحلة مشوقة
ما بين صفحات الكتاب البالغة 326 صفحة من القطع الكبير، مزينة بـ 120 صورة وخريطة ملونة للمعالم، والشواهد البارزة في مدن طريق الحرير واليمن، يمضي الأدهمي بقرائه في رحلة مشوقة، يتخللها الكثير من المفارقات الطريفة، والانطباعات حول عدد من الشخصيات ومواقفها، وكذلك الأحداث المؤسفة التي عرقلت هذه الرحلة، وفي مقدمتها دخول العراق للكويت، الذي أفسد هذه الرحلة وهي في أوجها، فضاعت عليه فرصة إكمالها، مثلما ضاعت على العراق فرصة المشاركة الفاعلة والمؤثرة في الفعاليات الدولية اللاحقة المهتمة بإحياء طريق الحرير.
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.