عن محمد نجيب ثانية .. والشبيه العراقي
أثار مقالي ( محمد نجيب .. هل كان كذبة ؟ ) الذي لخصت فيه بضعة سطور من ذكريات اللواء محمد نجيب أول رئيس لمصر بعد ثورة 23 يوليو 1952 ، عددا من التعليقات والمقارنات والمداخلات الناشئة عن تصور مفاده انني أتحدث عن ثورة يوليو في مصر وعن رجالها ودور محمد نجيب فيها ، وهل كان يعد فعلا أول رئيس بعد الثورة ، أم ان عبد الناصر كان هو الرئيس المخطط والمفجر والقائد لثورة الضباط الأحرار .
بل ذهب أحد الاصدقاء من القراء الاعزاء هو علي العجيل الى لومي بمداخلته ( لم أكن أحب لك أن تتخذ هذا الموقف من ثورة يوليو العظيمة التي قادها الضباط الأحرار ، لقد أخذ شخصكم الكريم من مذكرات محمد نجيب موقفا وكأنها الحقيقة بعينها ، وأعتقد ان الصواب جانبك ) !! ويضيف ( كان محمد نجيب رئيساً مُنصَّباً من مجلس قيادة الثورة ، ولكن أول رئيس دستوري كان جمال عبد الناصر ) ، كما أيد ذلك الصديق الأستاذ الدكتور ياس خضر البياتي الذي كتب ( ان محمد نجيب لم يساهم فعلياً في 23 يوليو وقد رشحه الضباط لأنه كان أكبر سناً ورتبة عسكرية) ، وكذلك الصديق عبد الناصر عبد الرحمن بتعليقه (هذا الرجل لم يكن له دور عسكري يذكر سوى انه ذو رتبة عليا فنصبوه رئاسة الجمهورية حتى تستقر أمورها مثل نجيب الربيعي في العراق ) ونصحني بمراجعة ماكتبه أحمد حمروش في هذا المجال عن ثورة 23 يوليو . وكان الصديق الدكتور محمد فلحي قد كتب لي قبل ذلك ( هناك قصة مشابهة في العراق .. نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة بعد إنقلاب 1958 ) . فيما علقت السيدة الفاضلة الأديبة ثبات نايف ( لم يكن محمد نجيب من الضباط الأحرار شأنه في ذلك شأن عبد السلام عارف من قبل حركة 63 وجىء بالاثنين لرئاسة الجمهورية لإعتبارات عديدة ) .
وإني إذ أشكر جميع هؤلاء الأصدقاء الذين تفاعلوا مع المقال وقالوا كلمتهم فيه، والشكر أيضا للقراء والاصدقاء الاعزاء الذين أشادوا بما حمله من إنصاف للواء محمد نجيب ، أو الذين أعجبوا بما كتبته ، أود التوضيح بأن المقال لم يكن سوى تذكير ببعض ماجاء في مذكرات الرجل من النواحي الإنسانية فقط ، وليس تقييماً لدوره في تلك الثورة التي كتب فيها آلاف الكتب والدراسات والمذكرات من وجهات نظر كثيرة ومتباينة. قدم محمد نجيب لمذكراته بالقول ( لا أريد أن أبدو غاضباً أو ساخطاً أو منفعلاً بسبب ماحدث لي على أيديهم ، بعد الثورة ، فهذه أنفعالات ذابت مع السنين ، وتلاشت مع الشيخوخة ، التي تجعل الإنسان معلقاً بين الموت والحياة .. بين السماء والأرض .. بين الوجود والعدم ) .
وكانت مناسبة هذا التذكير إطلاق إسم محمد نجيب على أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط لمناسبة احتفال مصر بالذكرى 65 لثورة 23 يوليو قبل عامين ، ولم يكن المقال معنياً بشرح أحداثها ورجالها وأدوارهم الحقيقية ، أو تبيان حقيقة حركة الضباط الأحرار وموقع نجيب بينهم ( ولا أريد أن أنسب لنفسي ماهو ليس لي .. ولكن .. ) يضيف نجيب ( الحقيقة تقتضي أن أقول ، انني أول من أطلق عبارة " الضباط الأحرار " على التنظيم الذي أسسه جمال عبد الناصر ) ، ( ولأنهم كذلك كانوا في حاجة الى قائد كبير ، ليس في الرتبة فقط ، وإنما في الأخلاق أيضاً - يطلق نجيب على الضباط الأحرار صفات قاسية على من يرغب بمعرفتها العودة الى مذكراته - حتى يتواروا وراءه ، ويتحركوا من خلاله .. وكنت أنا هذا الرجل للأسف الشديد ) !! .
أما عن انتمائه الى هذا التنظيم فيذكر ( ودعاني عبد الناصر الى تنظيم الضباط الأحرار وهو تنظيم سري كان هو مؤسسه ، ورئيسه .. ووافقت على ذلك . ومن بين الضباط التسعة الذين كانوا في مجلس القيادة بعد الثورة ، كنت أقابل خمسة منهم قبل الثورة : عبد الناصر ، عامر ، حسن ابراهيم ، صلاح سالم ، وزكريا محي الدين ) . ونجد فيما قاله نجيب اقراراً بدور عبد الناصر التأسيسي ورئاسة التنظيم ، كما نجد في ثنايا مذكراته إشادة بالصفات الشخصية والقيادية لعبد الناصر ، الى جانب الآراء السلبية الناتجة عما تعرض له من تغييب واعتقال وحجر ونكران ونسيان بعد استقالته التي قدمها في 22 فبراير 1954 وقبول استقالته بعد ايام من قبل مجلس قيادة الثورة .
أما ان يكون محمد نجيب رئيساً مُنصَّباً من قبل مجلس قيادة الثورة ، وليس رئيساً دستورياً ، فنكتفي بهذا المشهد من مذكراته ( وفي 23 يونيو 53 أقسمت اليمين أمام الوزراء ومجلس قيادة الثورة كرئيس للجمهورية ، وخرجت الى شرفة قصر عابدين ، لأشهد الإحتفال الذي أقيم بهذه المناسبة . وفي هذا الإحتفال أمسك عبد الناصر بالميكرفون وطلب من الجماهير التي احتشدت أمام القصر أن تردد وراءه يمين الولاء والمبايعة لي .. ثم ردد القسم والجماهير وراءه : اللهم إنا نشهدك .. وأنت السميع العليم .. أننا قد بايعنا .. اللواء أركان حرب .. محمد نجيب .. قائداً للثورة .. ورئيساً لجمهورية مصر ) .
علماً ان محمد نجيب كان على رأس قائمة مرشحي الضباط الأحرار في انتخابات نادي الضباط التي جرت في الاسبوع الأخير من عام 1951 وهي الخطوة الفعالة الأولى - كما يقول - في طريق ثورة يوليو . ومع خيوط الفجر الأولى من عام 1952 أعلنت النتيجة ، وحصل على أغلبية ساحقة شبه جماعية .
ولا أعرف هل ان كل هذه الإجراءات والأحداث وغيرها مما لا يتسع المجال لذكرها ، لم تعط الشرعية لمحمد نجيب كرئيس لجمهورية مصر ، أم انها اجراءات ثورية فحسب لا تستند الى الدستور ؟ وأترك الإجابة على ذلك لأساتذة وجهابذة العلوم السياسية والنظم السياسية على وجه الخصوص .
أما عن تشبيه ماجرى لمحمد نجيب في مصر ، بما حدث في العراق بعد 14 تموز 1958 وتنصيب الفريق الركن محمد نجيب باشا الربيعي رئيساً لمجلس السيادة - بترشيح من عبد الكريم قاسم - . وعضوين آخرين هما العقيد الركن خالد النقشبندي - بترشيح من عبد السلام محمد عارف - والسيد محمد مهدي كبة رئيس حزب الاستقلال ، فهو تشبيه فيه الكثير من الصواب والدقة ، وفي الكثير من النواحي المتعلقة بالجوانب العسكرية والشخصية والإنسانية ، والعلاقة برجال الثورة من الضباط في كل من مصر والعراق .
وقد زادتها مصادفات القدر غرابة ان يحمل كلا من الرجلين الإسم نفسه ، وبرتبة عسكرية متقاربة ، ومواليد متقاربة ، وإن كان نجيب العراقي قد توفي عن عمر مبكر ( 61 عاما ) بعد سبع سنوات من عزله عن منصبه دون ملاحقة أو اقامة جبرية ، بينما بقي نجيب المصري مايقرب من ثلاثة عقود بعد عزله واقامته الجبرية ليتسنى له ان يقول كلمته قبيل رحيله عما حدث له على أيادي رفاقه و( أبنائه ) من ضباط الثورة التي أطاحت بالنظام الملكي في مصر .
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.