مقالات مختارة

سياسية, اقتصادية, اجتماعية

زمن الـعمَّة BBC

قيم هذه المقالة
(0 تقييمات)
Print Friendly, PDF & Email
الكتاب : الاعمدة
المؤلف : د . طه جزاع

 

أثار إعلان هيئة الإذاعة البريطانية « BBC» عن إغلاق الإذاعة العربية بعد 84 عاماً من الخدمة، شجون الملايين من المستمعين في عالمنا العربي، وكان بعض كبار السن يضبطون في زمانهم توقيت ساعاتهم على دقات ساعة «بيغ بن» مع فرق الوقت في عواصم بلدانهم. كما أعلن العديد من الإعلاميين والصحفيين العرب عن دهشتهم وأسفهم وحزنهم لهذا الإجراء من إذاعة مهمة تمكنت من الدخول إلى كل بيت عربي في أصعب الحقب التاريخية التي شهدت الكثير من الصراعات والحروب والأحداث والأيام العصيبة منذ العام 1938 حين بدأ القسم العربي يبث نشرته الإخبارية بعبارة «هنا لندن .. أيها السيدات والسادة السلام عليكم ورحمة الله» التي تعقب دقات ساعة «بيغ بن» بتوقيت غرينتش، فكان أول قسم أجنبي في الهيئة. ومنذ تلك الساعة التي انطلقت فيها الإذاعة حظيت باهتمام ومتابعة وثقة المستمع العربي شرقاً وغرباً، لما اتسمت به من مهنية ومصداقية في الأخبار والتقارير السياسية - بغض النظر عن رسالتها وهدفها ورؤيتها التي تمثل توجهات الحكومات البريطانية تجاه مختلف القضايا الدولية-، وتنوعاً في تقديم المتابعات والبرامج السياسية والثقافية، وتقديم الأخبار والبرامج بأصوات عربية متمكنة لغةً وأداءً ونبرةً ومهنية عالية، أمثال أحمد كامل سرور، وعيسى صباغ، وحسن الكرمي صاحب البرنامج الشهير» قول على قول» الذي استمر لثلاثين عاماً، وسامي حداد، وأحمد فتحي، وجميل عازر، ومديحة المدفعي، وسلوى جراح وغيرهم من كبار المذيعين ومقدمي البرامج .
 
غير أن هذا الانفعال العاطفي الذي أعقب ذلك الإعلان المفاجئ، لم يكن الأول من نوعه، فقد سبق للبريطانيين أن فعلوها حين أغلقوا في العام 1956 محطة الشرق الأدنى للإذاعات العربية التي أسسوها في فلسطين العام 1940 والتي نقلوها إلى قبرص في العام 1948 بعد نهاية الانتداب البريطاني، وحول ذلك يقول أفتيم قريطم وهو من أقدم العاملين العرب في هذه الإذاعة أن بريطانيا دفنتها مع أنها كانت أشهر إذاعة في الشرق الأوسط. وبعد اغلاقها عمل قريطم في إذاعة «بي بي سي» على مدى 37 عاماً قبل أن يغادرها في العام 2000، لكنه عاد بعد 16 عاماً ليصدر كتاباً صغيراً باللغة الإنكليزية بعنوان « أنا والعمَّة BBC « عن تجربته الطويلة في الإذاعة وخبرته وذكرياته واسرار عمله. وفي لقاء أجرته الإذاعة مع مذيعها القديم بعد صدور كتابه قال أنه اختار هذا العنوان لكونه اسم الدلع للإذاعة بين الموظفين، وإن اسم «العمَّة aunt» شائع بينهم للدلالة عليها. وكان للإعلاميين العراقيين أيضاً قصص نجاح مهنية مع «العمَّة بي بي سي» ومنهم صلاح نيازي وعبد الهادي التميمي ونزار الملائكة وسوران معروف، ومن مراسليها صبحي حداد في بغداد وصلاح عواد في نيويورك، ومن مذيعي الأخبار والمنوعات وندوة المستمعين سامية الأطرش وشاكر حامد وحيدر البطاط، ومن العاملين في مكتبها ببغداد حداد قدوري وأياد حامد وأمل صقر. وعن تحول الإذاعة إلى خدمة رقمية بدءاً من 31 يناير، كانون الثاني 2023 كتب الزميل شاكر حامد: شخصياً ارتبطت بها مستمعاً في ريعان الصبا قبل أن أنضم اليها لاحقاً وأمضي فيها الجزء الأكبر من حياتي العملية إلى أن تركتها قبل ثلاثة أعوام بعد أن لحق «العالم هذا الصباح» ببقية البرامج الإخبارية النهارية إلى عمان، بينما صارت النشرات الإخبارية تُبث من القاهرة لتختفي عبارة «هنا لندن» من أثير بي بي سي، وستتضح الأمور خلال الفترة المقبلة وبناءً عليها ستتشكل صورة بي بي سي عربي الجديدة. لقد قيل الكثير حول أسباب هذا الإجراء الذي اتخذته هيئة الإذاعة البريطانية، ومنها ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع الأسعار وزيادة التكاليف والنفقات، غير أن هناك من يرى أسباباً أخرى غير معلنة تقف وراءه، ومنهم الصحفي العراقي المغترب زهير العامري الذي يعتقد انه مرتبط بانتفاء الحاجة للتسويق الإعلامي للأهداف السياسية التي من أجلها انطلق القسم العربي في البي بي سي بوجود مؤسسات عربية تقدم خدمة بديلة وهي أكثر تأثيراً في ميدانها وملعبها، بل أن قسم الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية اختزل إلى أقصى حد بفضل الخدمات التي يقدمها المسؤولون من حملة الجنسيات المزدوجة في الكثير من البلدان العربية، وكان العامري يعقب بذلك على تعليق كتبته على منشور للصحفي المخضرم زيد الحلي قال فيه: أعرق محطة إذاعية تودع ملايين المستمعين، وعندنا تؤسس مئات المحطات دون مستمعين !! . رحماك ربي. وأنا الذي كنت أظن في تعقيبي على المنشور بأن العالم يتغير، ومعه تتغير الكثير من العادات التي عاشت مع أجيال من المستمعين لأكثر من ثمانين عاماً، وأن العصر الرقمي حطم تلك العادات التي انقرضت إلا من بعض ديناصورات مُعَّمِرة .
القراءات 64 مرة

اترك تعليقا

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.

Image

للتحدث معنـا

عـدد الـزيارات

مجموع الزيارات للمــوقع 78629

حاليا يوجد 20 guests ضيوف على الموقع

Kubik-Rubik Joomla! Extensions