« جُمعة المتنبي» في إسطنبول
المؤلف : د . طه جزاع
للعام الثاني على التوالي تتاح لي مصادفةً، فرصة حضور معرض إسطنبول الدولي للكتاب العربي الذي أختتمت دورته السابعة يوم أمس الأحد التاسع من تشرين الأول 2022 بعد تسعة أيام شهدت اقبالاً جيداً من قبل الجالية العربية في تركيا، ومن طلبة المدارس العربية والعراقية في إسطنبول التي قامت بزيارات منتظمة للمعرض، فضلاً عن الطلبة الأتراك والأجانب من المهتمين باللغة العربية، أو الذين تتطلب دراستهم معرفة جيدة بها. ومما لاحظته في جولتين قمت بهما في أروقة المعرض المقام على مساحة عشرة آلاف متر مربع في أرض مركز المعارض في إسطنبول، غياب شبه تام لدور النشر والمكتبات العراقية، باستثناء دار إنكي للنشر والتوزيع وجناح دائرة البحوث والدراسات في ديوان الوقف السني، من بين ما يزيد عن 250 دار نشر عربية وأجنبية، فضلاً عن مشاركات العديد من المؤسسات التعليمية والثقافية والجمعيات المدنية، حتى أن دار الرافدين العراقية التي شاركت بجناح كبير نسبياً في الدورات السابقة، لم نجد لها مشاركة في هذه الدورة التي تأتي بعد انحسار جائحة كورونا وتخفيف الإجراءات والاحتياطات الصحية المشددة التي اتخذت لمواجهتها، في الوقت الذي نقرأ فيه باستمرار احصائيات تؤكد على أن الجالية العراقية هي الأكبر في تركيا بعد الجالية السورية، وهي الأكبر أيضاً في الاستثمار وشراء العقارات والوحدات السكنية !.
مع ذلك فإن مؤلفات عدد من الكتّاب والأدباء العراقيين توفرت في دور نشر عربية أو مشاركة لدور نشر تركية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الروايات والأعمال القصصية لأحمد خلف وإنعام كجه جي وبرهان شاوي، وكذلك مؤلفات الكتّاب والباحثين العراقيين الذين طبعت مؤلفاتهم الدور العربية المشاركة في دورة هذا العام التي أقيمت تحت شعار «عالم بلا حدود» غير أن ارتفاع أسعار الكتب التي لم تراعِ انخفاض قيمة الليرة التركية وضع حدوداً بين القارئ والكتاب الذي يرغب باقتنائه، وأثر كثيراً على مبيعات دور النشر التي عرضت كتبها وفق تسعيراتها الأصلية بالدولار بسعر تصريف الليرة التركية، وكان على الجهات المنظمة للمعرض ومنها الجمعية الدولية لناشري الكتاب العربي، الانتباه إلى ذلك ووضع حل مناسب يتيح توفير الكتب بعروض مخفضة، خصوصاً وأن أغلب الرواد هم من الطلبة وأصحاب الدخل المحدود، إذا استثنينا منهم أبناء الجاليات العربية الميسورة، وأبناء الجاليات العربية في أوروبا الذين يحضرون معرض إسطنبول لكونه أكبر معرض دولي للكتاب العربي خارج البلدان العربية منذ بدأ دورته الأولى في العام 2016.
جاء في البيان الصحفي الأول للمعرض أنه أحتوى على أكثر من مائة وخمسون ألف عنوان، مع فعاليات ثقافية متنوعة من محاضرات وندوات فكرية وحفلات توقيع الكتب وأمسيات شعرية وانشطة فنية متنوعة، كما جاء في منشور المعرض توضيحاً لأهدافه وأهمها توفير الكتاب العربي للجالية العربية في تركيا وقارئيه من الأتراك، كطلاب كليات الآداب والإلهيات وأقسام اللغة العربية لاسيما مع ازدياد أعداد الكليات والأقسام في الجامعات التركية التي تدرس موادها الدراسية باللغة العربية بنسبة مائة في المائة أو قريباً من ذلك، ومئات الأوقاف التعليمية ومعاهد اللغة. أما برنامج الفعاليات الثقافية المرافقة لمعرض الكتاب فقد ضم العديد من المحاضرات منها الرواية التركية وتأثيرها، ومحاضرة الرواية العراقية المعاصرة التي قدمها الروائي العراقي أحمد السعداوي، كما تحدث ممثلون عن الجالية المصرية عن تفاعل المهاجر العربي في المجتمع التركي مع تجارب نجاح الاندماج مع هذا المجتمع، فيما تحدث محاضرون آخرون عن سبل علاج ضعف اللغة العربية عند الطلاب العرب في تركيا. عموماً، فإن توفير الكتاب العربي في بلد يندر فيه مثل هكذا كتاب، يعد مناسبة طيبة للقراء والطلبة العرب في تركيا ولطلبة اللغة العربية من الأتراك والأجانب، كما أنه يتيح الفرصة للقاء الجاليات العربية وتعارفها في أروقة المعرض التي شهدت فعاليات يومية تهتم بالأطفال وبالأعمال الفنية اليدوية، والخط العربي ومستلزماته من كراريس وأقلام وأحبار، ناهيك عن الخدمات الأخرى مثل تبادل الخبرات في مجال طباعة ونشر الكتاب، والخدمات التعليمية والجامعية . والأهم من ذلك كله أن معرض الكتّاب العربي، وفر لي شخصياً متعة اقتناء عدد من الكتب عوضتني بعض الشيء عن أجواء «جمعة المتنبي» التي لا يعوضها أي مكان آخر في العالم .
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.