في أكلة المسكوف على موائد الساسة
عن حطامة ابن الأغبر انه قال:
لما كادت ولاية المعز لدين الله نوري المالكي تشارف على الانتهاء من دون تعيين وزير للحرب أوللأمن، ارتأى الخليفة المعتصم بالله جلال الطالباني أن يجمع أقطاب الحكم آنذاك إلى لقاء حميم، وراي مقيم، وان يخرج البلاد به من براثن الجحيم، فيلاقي تلك الأقطاب إلى لقاء يتفقون فيه على اختيار أولئك الوزراء، وكان أقطاب الحكم هم المعتصم بالله الطالباني والمعز لدين الله المالكي والمستكفي بالله النجيفي والمتقي لله أياد علاوي والمستنجد بالله الجعفري.
فلما تلاقت الوجوه، سادت الضحكات المبطنة، والبسمات الملغمة، حتى حان موعد العشاء الذي أعدته زوجة الطالباني وقد اخذت له صورة ونشرتها في سوق عكاظ، كاتبة تحتها " صنع اديه، وحياة عينيه ".
ففتح طالباني القِدر مرحباً بضيوفه الذين أمل منهم الحل، ولما احسن الضيافة والتدبير، وأمسك القبغ والجفجير، كانت رائحة السمك تفوح مما أعدته زوجته، فطلب منهم ان يمدوا ايديهم لها، فإن خير الزاد ما تكاثرت عليه الايدي، والكتل السياسية.
فبينما وقد باتوا يأكلون، ويشربون ويمضغون، أراد علاوي تلطيف الجو، فقال ممازحا:
اسماك بغداد شواها السكفُ..
بالسكفِ يشوي السمك العلمإني..
وتلك اشهى من شواءِ الكردِ..
للسمكِ في الفرنِ والصوإني..
فضحكوا جميعا، الا الطالباني الذي احس بأن علاوي يقلل من شان الكرد في الشواء، وان من يفعلها، سيقلل من شانهم في اختيار وزير الحرب، ولم تغب تلك الفكرة عن رأس المالكي، الذي تغصص بعظم الحاجب، بعد ان سمع من علاوي ما سمع،فأراد رده فقال:
ونحن نشوي في لظى الصمونِ..
بصواني الستيل مع الفافونِ.
يكون أشهى من طريقِ السكفِ..
طريقنا في دولة القانونِ..
فبدا الجميع ممتعضون لاستحواذ المالكي على رأيه في الشواء بكتلته، ولاحت في الأفق نيته على الحصول على المناصب لقومه من دولة القانون، لدكتاتوريته الفاضحة في قضية الشواء.
فرمى الطالباني رأس البصل من يده، بعد ان احشى به فمه، واغروقت عيناه منه، واحمرت وجنتاه من حرارته، فقد التهمه لغضب دار في نفسه، فلما رأى الجعفري ما تشنج من الحال، لم يرد أن يعطي للأزمة مجال، فاكمل لقمته وقال:
ان السمك الذي يمر من الشمال إلى الجنوب إنما هونوع من الوحدة الوطنية التي تدعم العملية السياسية بواقع البلاد المتشكل حول صيرورة الأمكانات المحتذية حذوما يتقاسمه الشركاء الوطنيون من مستقبل واعد وجماهيرية عريضة وانتفاضة ضد الظلم وطبائع الاستعبادوهذا يخالف ما تنشا عليه الشعوب من ارتقاء بالديمقراطية واسترجاع للبعث الكافر وانتصار للثورة الاسلامية.
لم يفهم الجميع ما عناه الجعفري، لكنهم احسوا بأنه كان شيئا ايجابيا.
لكن الجعفري أضاف عبارة أخرى وقال:
وإن شي السمك لهوالافضل في حال كون من يشويها من أحد عوائل شهداء الانتفاضة الشعبأنية.
صرخ طالباني قائلاً: وماذا عن شهداء حلبجة؟؟
لم يحتمل النجيفي الأمر، وسحب سنسول السمكه ولوح به قائلاً: هذا هوالتهميش والاقصاء !!
فيما راح علاوي ينظر إلى الأمر بنظرته البليدة، ويتمتم قائلاً: يا حجايه ردي المجانج..
إلا انها قد تعالت الأصوات، ولم يكن من أزمة السمك دربٌ أوافلات، فانقلب الحال، وتعالى السجال، ثم ذهب الجميع للاغتسال، وركب كل منهم طائرته وفر إلى دولة من الجوار، يعلمهم بما حصل ويطلب منهم القرار، ولما انتشر خبر ما حصل، وعلم به حطامة بن الأغبر الشاعر العراقي، هز بيده وقال:
مجيئكم الينا كان نقمة..
يامن تعاركتم عليها اللقمة.
نعض اصبع انتخبنا فيه..
قسمتنا تلك.... " وعض اصبعه وقال: ".. فيا ول قسمة!
وقيل، ان ابن الأغبر رأى السياسيين في منامه بعد حادثة السمك وقد جلسوا في مكان يغطيه الحشيش الاخضر الجميل.. ولما سأل عن ذلك ابن سيرين رحمه الله قال له: " ان ذاك يعني ان واحدهم ثور الله بأرض الله.. والله اعلم.. "..
لبديع الزمان
#رسلي_المالكي
___________________________________________
معلومات إضافية
- عودة: العودة الى مقالات رسلي
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.