في فصل الذكور عن الإناث في جامعات علي الأديب
عن حطامة ابن الأغبر انه قال:
كان وزير التعليم في زمن المعز لدين الله نوري المالكي رجلا ورعا وتقيا وعادلا، وهوالخاشع لهيبة الله علي الأديب، ولشدة ورعه وتقاه، لم يرض أن يرى طلاب العلم في مدارس بغداد يختلطون ببعضهم رجالا ونساءا، فاعلن بأن يفصل الرجال عن النساء في مدارس بغداد وجامعاتها.
ولما كان عوانة ابن الأشعث قد أمتحن خارجي وقبلته إحدى جامعات بغداد، فقد كان فأله سيئا مع علي الأديب، فقد قُبلَ في زمن فصل الرجال عن النساء في الجامعات والمدارس، فأرسل مكتوبه إلى صديقه حطامة بن الأغبر البغدادي يساله فيه عن رايه بما جرى، ويستشيره بذهابه إلى الجامعة في هكذا قرار من عدمه، فأرسل حطامة ابن الأغبر جوابه إلى صديقه عوانة ابن الأشعث قال فيه:
أما بعد..
فيا ابن الأشعث، قد بلغني عنك ماهي لا قليلةٌ ولا زائدة، وما تطمئن له الافئدة، من إنك قد بلغت مناك، ووصلت الكلية هناك، وباشرت طالبا في مرحلة، ونجوتَ من مدرسةٍ معضلة، وأصبحت لأولي الافراح حليفا.
ولكن يا عوانة، إن قرار الأديب قرارٌ شكى منه الكسلان والشاطر، وأصبحا يكسران الخاطر، فلإن بقيت في جامعة دون اختلاط، فإنك لن تخرج سفرة، ولن تصنع حفلة، ولن تصادق حاته، ولن تكون كبلا.
فعلام ذاهب ٌ أنت إلى جامعة ليس فيها بناتٌ يغششنك إن نسيت، ويضحكنك إن بكيت، ويصاحبنك إن مشيت، يذكرنك في الذهن الشارد، ويعطينك القلم الزايد، جمعا صغيرات، وحوتا رقيقات (والحوت هوجمعُ حاته وهي ما كان جميل الشكل والمنظر والرقة والعذوبة والأسلوب والحياء من البنات، وفي راي سيبويه: الصاكات).
يا عوانة، إنك وقد عمّيت على الطلاب، فأصبح مثَلُكَ كمثل الذي صادق ططوةً بالليل، فلما طلع الصبح جاؤوا باخيها شهيدا، ومثلك كمثل الذي مشى في الصحراء فتلطخت رجلاه بماء المجاري، ومثلك كمثل الذي بنى بيته في اخر حدود البلاد كي يتخلص من شر العباد، فلما رفع البند السابع طردوه من أرضه تلك.
فاقعد العام هذا في بيتك عل الأديب يتراجع عن قراره، فيصيبك العام المقبل حظا أكبر من حظك هذا العام.
ثم أنشد قائلاً:
من دونهنّ العلمُ أبدا يفهمُ..
ماللاديبِ على الأناثِ محرمُ..
من ذا يغشِّشكَ الجوابَ بوقتهِ..
ومن الذي يسندكَ حين تبرشمُ..؟
قل للأديب بأن يردَّ قرارهُ..
علَّ الشباب عن البطالةِ تحجمُ..
والسلام..
وكان ذلك بعد ان لجأ الطلبة إلى البطالة عن الجامعات، فانكبَت الناس عن بعضهم، وبدا الشباب يلاحقون الأناث في الاسواق ويضايقوهن، وبدأن يبحثن عنهم ويخرجن عن مساراتهن، حتى افلتت الأمور وزمامها، وانقلب الأمر على الأديب ووإليه المالكي، فانحدر الحال وساد الابتذال، حتى ان حطامة ابن الأغبر حين التقى عوانة ابن الأشعث بعد عام من ذلك، كان الاخير تاركا الجامعة، سالكا الدروب ويحمل بيدة قربة من النبيذ المسموح به في زمن المعز لدين الله المالكي لحملهِ اسم " الكفيل"، وكان عوانة قد ثمل ثملا لم يثمل مثله أحد منذ سقوط نظأم صاحب البعث، وقد طالت لحيته، وكث شعره، فلما ساله حطامة عن ذلك قال بلسانٍ ثمل:
اذا ضاقت بعينيك الشرائع..
وبين يديك خمرتها تسيلُ..
فدع عنك العتاب وقم فإشرب..
زجاجة خمر.. منشاها الكفيلُ !!
لبديع الزمان
#رسلي_المالكي
___________________________________________
معلومات إضافية
- عودة: العودة الى مقالات رسلي
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.