في إصابة حطامة ابن الأغبر بحصاة في الكلية
عن حطامة ابن الأغبر انه قال:
لما اصيب حطامة ابن الأغبر بحصاة في الكلى، أدخل إلى صالة الجراحة في مدينة الطب، ولما اتموا علاجه، وهموا باخراجه، صحى على صوت زيارة المعز لدين الله نوري المالكي ومعه المستكفي بالله أسامة الجيفي إلى مدينة الطب ببغداد، والتي لم يكن ليوجد مثلها في الدنيا ولا في البلاد، وقيل عنها: أنه من لم يزر مدينة الطب ببغداد فما عرف الدنيا ولا رأى الناس، فلما ترجل النجيفي والمالكي من فرسيهما ودخلا بابها، خلبت انظارهم زهور جنانها، ورياحين ورودها وأغصانها، وأذهلهم جمال ممرضاتها وفراشاتها، وبينما هم كذلك، مرت " سدية " عليها مريض يتأوه، فتلاقفته " فراشة" ذات حسن وجمال، وأدخلته الردهه، فدخل النجيفي والمالكي ورائهما، ثم رأيا الفراشة وقد استنفرت الاطباء والممرضين، وندبتهم لمساعدة المريض الذي يعإني من الاسهال وهي تنشد:
قوموا على حباية الاسهالِ..
وأمنحوه الأمنَ والسلاما..
يا ليت داءً كان في حشائي..
وما رأت احشاؤك الآلأما..
ففر كل طبيبٍ من أخيه، وأمه وأبيه، إلى إسعاف المريض، وهرعوا إليه مستنفرين، فالتفّت الساقُ بالساق، وتدافعوا على طول الرواق، حتى وضعوا الحبة في فمه واشربوه ماءً، فقام وتعافى، وأنشد الطبيب مخاطبا الفراشة:
قمنا فلبينا.. فصلُحَ الحالُ..
هاهو يمشي مثلها الجبالُ..
حبايتي من منشأٍ اصيلٍ..
للموت لن يصيبهُ الاسهالُ..
ولم يكن أحد من الاطباء والعاملين، والاف بي اس والفراشين، قد تنبه إلى المالكي والنجيفي لشدة انشغالهم بصاحب الاسهال، حتى سمع أحدهم ثغبا وبكاءا، فلما اقترب من صاحب البكاء وكشف يده عن وجهه، عرفه المعز المالكي، فقال له: مولاي المالكي؟؟ ومن أتى بك هنا مع مولاي النجيفي؟
قال المالكي: جئت لاقر عيوني بكم، فقال الطبيب، ولمَ يبكي مولاي؟ قال: لشدة مارايت من حرصكم وخوفكم عليهم. فاصطحب الطبيب المالكي والنجيفي إلى جولة في مدينة الطب، ولما وصلا معهد الطب العدلي، وجد أن بيوت العناكب قد ملأت اركانه، ونامت الجرذان في أحضانه، فسأل الطبيب عن ذلك فقال: يا مولاي، اننا هنا لا يموت لدينا أحد بمشيئة الله، فإن جائنا مريضا عالجناه، وإن جائنا ميتا احييناه، وإن جائنا حيا أطلنا في عمره، وإن جائنا طويل عمر مددنا في صحته، وإن جائنا صحيحا أطلنا له البقاء، فليس لنا بالطب العدلي حاجة، إلا ما شاء مولاي المالكي.
فثغب المالكي ثغبةً حتى صاح به الطبيب فاسكته خوفا على راحة المرضى، ثم تبرع هو والنجيفي بالدم حتى شحب وجهيهما واصفرت وجنتيهما، وبينما الحال كذلك، وبينما الأمر يجري هكذا أمام عيون ابن الأغبر وهوعلى سديته، سمع صرخةً موجعة من حنجرةٍ صاخبة، وصاحبَتها نظرةٌ ثاقبة، إذ صاحت فراشة وهي تسحب سدية ابن الأغبر: المصعد عــــــاطل !!
فأفاق ابن الأغبر على وقع صوتها من حلمه الوردي، حيث كان تحت تاثير البنج فرأى ما رآه من زيارة المالكي والنجيفي، ومن جمال حسناوات ممرضات وفراشات مدينة الطب، ولما أفاق رأى الحال على حقه من حال مدينة الطب المتردي، فبينما كانت الفراشة الصارخة تسحب سديته وهي تدردم وتــردم به في حوائط الردهه، وتهم بأنزاله من اعلى البناية إلى اسفلها دون مصعد، أنشد على سديته قائلاً:
"حجية" دعيني في السطوحِ معلقا..
قد متُّ إلا أنني لم يُزَر قبري..
فإن كنت حشرا كنتِ زنبور قارصا..
وإن كنت طيرا كنتِ من بومةِ الفجرِ..
فغضبت الفراشة وتركته في الممر ملتما عليه الذبان حتى دخلت المكرودة بنت المظلوم زوجته أخذته سرا إلى بيتها وهي وتقول: اسعاف يا الله.. احتركنه !!
لبديع الزمان
#رسلي_المالكي
___________________________________________
معلومات إضافية
- عودة: العودة الى مقالات رسلي
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.