حطامة ابن الأغبر وأمين بغداد
عن حطامة ابن الأغبر انه قال:
خرج حطامة بن الأغبر الشاعر البغدادي الجسور إلى المسجد يوما من دون سيارته البغلة، لعطلٍ في سيقانها من شدة حفر شوارع بغداد، ولما وصل نهاية شارع بيته، تعثر في قطعة كبيرة من الحجر كان عاملوا الأمانة قد تركوها في محلها قبل يوم، فنفض ابن الأغبر لباسه من غبار الحجر، وبعد خطوات ٍ من ذلك مرت دابة يركبها صبي وقد حاولت تحاشي حجر اخر فاصطدمت بابن الأغبر فطرحته أرضا، فاعتذر الصبي من حطامة وذهب في طريقه، فقام الأخير ونفض لباسه مجددا.
وحين اقترب من باب المسجد تعثر في سلك تركه عامل طاقة على الأرض فوقع على وجهه، وكانت الأرض مبتلة بما جادت به المجاري، فلم يحتمل ما اصابه وقام ورمى بعمامته على الأرض غضبا، ثم غير اتجاهه على غير هدى، لكنه وصل إلى ساحة الخلاني متوجها إلى مبنى أمانة بغداد، فدخل على أمينها الزارع لجنة الله صابر العيساوي وقد استشاط غيظا، وكان ولاة الأمر من بني الخضراء وعمالهم يخشون ابن الأغبر لشجاعته وفصاحته وحِدة لسانه ومقيله، فلما دخل على العيساوي اعتدل الاخير في جلسته على كرسيه، وكان العيساوي رجلا كبير البراطم، ضخم الجثة، اسمر الوجه، ماشي على حل شعرو، فلما دخل حطامة الأغبر قال للعياأوي:
أوأنت الأمين؟
قال: بلى.
قال: فبمن اؤتمنت؟
قال: ببغداد.
قال: وإنك مسؤول على كل شبر فيها؟
قال العيساوي: بلى.
قال: سليمه الكرفتك اي والله.
ثم نظر ابن الأغبر إلى العيساوي وانشد قائلاً:
أمينُ قل لي ما العمل؟
قل لي فقد نفدَ الأمل
قيل المجاري طَفَحت
فحسبتُهُ حان الاجل
ومن الغبارِ لومشى
المرءُ بشارعنا سَعَل
وصدرُ سيارتي من..
كثر المطباتِ اشتعل
قلتم سنكسوها الشوارع...
والكساءُ ما وصل
شوارعٌ تحطمت..
وأنت تزرع النخل؟؟
فلا النخيلُ قد نجا
ولا المقاول انعَدَل
ولا رأينا شتلةً
إلا وعودُها هَزل
ولا رصيفٌ دائمٌ
ابقاهُ عاماَ الـ"شَفَل"
مدينة الرصافةِ..
اغلقتموها في عَجَل
وصار عيدُنا نكَد..
وطفلنا منك زَعل
والنُصُبُ العملاقةُ
ظلماءُ تشكو مَن هَمَل
عاماً فعاماً ننتظر..
وعام آخر قد أطل
أمين شُوِّهَت التي
في حُسنها ضُرِبَ المثل
فبالكلام العاصمة..
تجد لها مليونٍ حل
وماتراه العاصمة..
حربُ نقودٍ وعُمَل
أميُّ جاء اأهلا..
صفة " مهندس " انتحل..
فلتذكر الله الذي
يجزي بما المرءُ فعل..!
فثار الغضب في وجه صابرٍ، واحمرت وجنااه، وانتفخ برطماه، لكنه خشي الوقوع بالأشد إن حاول إغضاب ابن الأغبر خوفا من ردٍ مفحمٍ آخر، فقال مبررا وهويبتسم:
يا ابن الأغبر، إنك لما قلت بأن المجاري قد طفحت فإنما ذلك لإني ارمي دينارا من الذهب في المجاري كلما ارتكبت ذنبا، فيذهب إلى النهر، فإن انحسر دجلة ظهر الذهب ذلك فكسبت أجرا بمن أصابه فاخذ منه من الفقراء، فلعله دينار لم يصل النهر فاغلق المجاري فطفحت.
وأما الغبار في شارعك فهو لقتل الهوام والحشرات، أما صدر ناقتك وقد تعب من المطبات، فانه ليقويها على تحمل الشدائد، وأما انني ازرع النخلة فهي عمتنا ويجب زرعها.
وأما الرصيف ولم يبقه الشفل، فذلك لان الجك همر فيه سيعمى ان لم يطرق رصيفا، وإن عمي فسأحتاج إلى المال لكي يبرى من جديد، وذلك من مال المسلمين، وأنا وقد حرصت على ذلك المال، جعلته يطرق الارصفة فيحيلها ركاما أهون علي من رؤيته يعمى.
وأما مدينة العاب الرصافة، فأنا أغلقناها لأن الاطفال يذهبون إليها فينسون درسهم، وقد يضربهم الكتاتيب في المدارس لتقصيرهم، فيتألمون من الضرب وذلك يشق على رجلٍ مثلي، ثم بكى، ولما فرغ من بكاءه اكمل وقال:
وأما انني مهندس فذلك حق، واسال بذلك الخاشع لهيبة الله علي الأديب، فقد منحني تلك الشهادة بألف صوت من الرعية وهبتها له.
فنظر ابن الأغبر إلى العيساوي وقال له:
لولا مكانتي في نفوس عمومتي..
وجاري وصحبي والأنأم لدينا..
لنزعتُ قندرتي وضرباً رميتها..
فوق الذي جعل السَروقَ أمينا..
ثم عاد إلى بيته وهو يتمتم قائلاً:
يا ليت دجلةَ فاضَ بالطوفانِ..
وليت المياه تكونُ يوما جاني..
حتى يغوص بعمق ماءِهِ صابرا..
وتغوص معهُ ساحة الخلإني...
لبديع الزمان
#رسلي_المالكي
___________________________________________
معلومات إضافية
- عودة: العودة الى مقالات رسلي
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.