في حل مشكلة الكهرباء على يد المالكي
عن حطامة ابن الأغبر انه قال:
مر المعز لدين الله المالكي وحاجبه الباكي من حساب الله علي الدباغ في أحد ازقة بغداد يتفقد احوال الرعية، وكانت ليلةً حالكة السواد، كأنما الليل قد لبس الحداد، فبينما هو سائر اصطدم بفتى ذوخمس عشرة سنة، فلما تعرف الفتى على الأمير المالكي، اعتذر وبدا مرتبكا، فقال المالكي: يا فتى، لا تثريب عليك، فقال الفتى: أهو تثريب الباكلة يا مولاي؟ فانزعج المالكي لكنه اخفى انزعاجه عندما واتته فكرة ذكية، فأمر الدباغ بنشر بيانٍ في كل العراق يقول: على كل سائرٍ في الليل أن يحمل مصباحا في يده.
فلما صارت الليلة الثانية، مر المالكي في نفس الزقاق فاصطدم بنفس الفتى، فغضب وقال: ألم اقل لكم أن تحملوا المصابيح في أيديكم؟ قال الفتى:
يا مولاي:
المصباح هذا في يدي محمولٌ..
حملته مذ أشرق الصباحا...
لكنكم ما قلتمُ للناسِ..
أن نشحن َبالطاقة ِ المصباحا..
فقال المالكي للدباغ: انشروا بيانا يقول: على كلِ سائرٍ في الليل أن يحمل مصباحا في يده وأن يشحن المصباح.
فلما مر المالكي في اليوم الثالث في الطريق ذاته اصطدم بذات الفتى حتى دخل أنف الفتى في صرّة المالكي، فثار الغضب في نفسه، وقال: ما حجتك الان؟
قال الفتى:
لا كهرباء عندنا كي منها..
أشحن مصباحي، وترضى عني..
مولدٌ لا كازَ فيها حتى...
ولا لدينا كهرباء الوطني..
فحزن المالكي، وأمر الدباغ بأن ينشر بيأنا يعلن فيه: أن على كل صاحب مولدة ان يضع الكاز فيها ويشغل سبع ساعات.
فلمّا جائت الليله الرابعة، حدث الأمر ذاته، واصطدم الفتى بالمالكي حتى دخل عكسه في خاصرة المالكي، فتألم الأخير وسأل الفتى متأوهاً: ما حجتك الليلة؟ قال الفتى:
ربطتهُ فانقطع الضياءُ..
وما رأى أنوارها بصيرُ...
قد طَفَرَت جوزتنا مولانا..
فلا بقى واطٌ ولا أمبيرُ..
فجنَّ جنون المالكي، وأمر بكيبل ثري فيز، وأرسل بطلب المبصر بنور الله حسين الشهرستاني، وأمره بأن يمد الكيبل بنفسه من محطة بيجي إلى منزل الفتى، فلما تم المشروع كان الفتى قد بلغ من العمر السبعين سنة، ولما أنارت الكهرباء داره كان بصره قد عمى قبل ذلك بعامين، فلم يرى النور ومات وهوفي حسرة الأمبير، ولما علم المالكي أمسك لحيته وبدأ يثغب ويبكي، ثم قال:
لم تستطع في العمر رؤية نورنا..
أمهلتنا وأفضت فينا الصبرا...
خصصتُ أموالاً للنكيرِ ومنكرٍ..
كي يشعلوا بالنور عنك القـــــبرا..
إلا ان المقبرة بقيت مظلمة، فلم يُنر منكر ونكير قبر الفتى، وقيل إنهما لحقا بكريم وحيد إلى بلاد الروم، ومعهما حقيبةٌ سوداء.
لبديع الزمان
#رسلي_المالكي
___________________________________________
معلومات إضافية
- عودة: العودة الى مقالات رسلي
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.