في حذق المعز لدين الله نوري المالكي وورعه
عن حطامة ابن الأغبر انه قال:
حل الفقر يوماً بالعراق لقلة ما نزل عليه من الغيث، فألغى المعز لدين الله نوري المالكي الضريبة إلى حين نزول القطر، وأدخل البلاد والعباد في حالٍ من التقشف، وحافظ على كل دونقٍ من دوانيق بيت المال، وكان كثير المناجاة لربه ليلاً يسأله أن يجلّي المحنة عن رعيته وينزل الغيث.
وكي يرفع من نفوس رعيته، أشار إلى أن كل من يأتي قصره وينشد قصيدة لم يسمع بها من قبل من القصائد التي ترفع الحماس لدى الرعية، فيقرأ قصيدته وتكون حديثة الإلقاء على مسأمعه، فإنه سوف يعطي وزن ورقها ذهبا لقائلها.
إلا أنه كان يريد التقشف في الحين ذاته، ولما كان المالكي سريع الحفظ فإن الشاعر حين يقرأ مالديه فانه يحفظها بساعتها ويقرأ القصيدة للشاعر فيقول له: إنني قد سمعت قصيدتك من قبل والدليل أنني احفظها الان وهي تقول كذا وكذا، فلا يمنح قائلها أي دونق، كما إن لديه جارية هي ميسون الدملوجي وهي تحفظ الشعر حين يُقرأ أمامها مرتين، فحين يقرأ الشاعر قصيدته ويقرأها المالكي ورائه محاججاً تحفظها هي، فيرسل المالكي بطلبها ويقول للشاعر: إن جاريتي أيضا تحفظ هذه القصيدة، فتزيد حجته، كما ولديه حاجبه الدارخ كتاب الله حميد معلّة وهويحفظ من المرة الثالثة، فحين تقرأ القصيدة من الشاعر والمالكي والدملوجي يحفظها هو، فيقوي حجة المالكي مرة ثالثة فلا يمنح المالكي أي شئ للشاعر، ويحفظ دراهم بيت المال.
فشكى الشعراء الحال لشاعر زمانه صالح المطلك، فقال: إن في الأمر حيلة، فتنقب وذهب إلى مولاه المالكي ودخل عليه، فسلم، فقال المالكي: أوتعرف الشروط، قال: بلى، قال، فانشد، فبدأ المطلك بقراءة مالديه وقال:
صوتُ نعيق الغراب...
هَيَّجَ قلبي المذاب...
وزادَ فيَّ.. لوعتي..
وزادَ فيَّ العذاب..
مما جعلتم حالها..
على خراب الخراب..
وإنني لعالمٌ..
إذا اتإني الجواب..
لم يكن مالاً أوغنى..
بل كان أربعة ارهاب..
وقد مررت في الفلا..
بوسط جمع الشباب..
قُذفتُ بالحجارةِ..
بهذا وجهي المصاب..
وقد جلتني غبرةً..
وقد علاني التراب..
والكل هاها ههها..
ضحكاً على ما اصاب..
رجعتُ منهم خائباً..
ودمعتي في انسراب..
والدمُ من خويشمي..
قد سالَ منهُ انسياب..
إلى لقاءِ حاكمٍ..
معَززٍ بالخطاب..
أنا الأمير النائبُ..
ومطلكٌ يا مُهاب..
نظمت ما قد قلتهُ..
وجئتُ شيئا عجاب..
أقول في مطلعهِ..
صوتُ نعيقِ الغراب....
فاستغرب المالكي ولم يحفظ شيئا لصعوبة الأبيات، وأرسل إلى جاريته ميسون الدملوجي فقالت: لم أحفظ شيئا يا مولاي.. هوه أنا مخّي دفتر؟؟
فأرسل إلى حميد معلّه فكان هوالاخر لم يحفظ شيئا، فأماط المطلك عن وجهه اللثام وانحرج المالكي، فمنحهه وزن ما كتبه عليه ذهبا.
وقيل أنه بعد أن مات المالكي عقب ذلك بسبعين عاما، اكتشف المطلك ان كل الذهب كان من الذهب البرازيلي.
لبديع الزمان
#رسلي_المالكي
بتصرف عن حادثة ابوجعفر المنصور والاصمعي
___________________________________________
معلومات إضافية
- عودة: العودة الى مقالات رسلي
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.