في عدالة المالكي و النجيفي.
عن حطامة ابن الأغبر انه قال:
جائت امرأة إلى أمير النواب المستكفي بالله أسامةالنجيفي، وشكت إليه ما قام به الحافظ لأمر الله طارق الهاشمي، وقالت: يا أمير النواب، إن وزيركم الهاشمي قد جاء الي وأنا أبيع العمبة، وشرب مني طاسة ولم يدفع ثمنا، وهي بميتين وخمسين دينار، ولما طالبته بمالها قال: خذيها من الوالي المعز لدين الله المالكي، وأنت تعلم إني اعيش على هذه العمبة وأطعم منها أولادي، ولوكنت أعلم ان المالكي لديه مال يعطيني إياه لذهبت إليه، ولكنه رجل زهد وكفاف.
فاستشاط النجيفي غضبا، وأمر قائد الجند عبود قنبر بأن يأتيه بالهاشمي، فلما جاء به، قال له: يا هاشمي، هل فعلت ما قالته المراة؟ قال الهاشمي: لا يا أمير النواب، قال النجيفي: لأرى من يكذب أنت أم هي،فان كنت كاذباً حاسبتك أنت والمالكي فإنما انتم راح تكلبوهه بينه.
فجاء المعز لدين الله المالكي على وقع الكلام، ومثل أمام النجيفي، فقال النجيفي: ما ترى في هذه المسألة؟ قال المالكي:أان نشق بطن الهاشمي ونرى أن كان فيها عمبة، فإن كانت كذلك فقد كذب وهي من الصادقين، وإن لم تكن كذلك فقد صدق، وهي من الكاذبين.
فأعدوا صالة العمليات في مستشفى الجوادر، وأدخل الهاشمي إليها وتم تخديره، وكان المعز لدين الله نوري المالكي في باب الصالة يضرب كفاً بكفٍ من خشية ان يكون وزيره مذنباً، وخوفا من حساب الله.
ثم خرج الطبيب من صالة العمليات وأماط اللثأم عن وجهه وقال: بل كَذِبَت، وهومن الصادقين، فليس ببطنه عمبة، فتم إرسال الهاشمي إلى فترة نقاهه بهور الحويزة ورجع المالكي والنجيفي إلى قصر الخلافة.
فقال النجيفي للمرأة: كذبتِ، وهومن الصادقين، قالت: يا أمير النواب، إنك بينما أرسلت الهاشمي إلى العمليات، فكّرت في نفسي فتذكرت أن الفاعل لم يكن هو، بل كان زوجي وهو شبيهٌ بالهاشمي، وأنا أمرأة لا أرى الا بشق الانفس، ثم بكت وطلبت المسأمحه.
فأرسل النجيفي إلى الهاشمي وطلب إحضاره، ولما دخل قال للنجيفي: يا أمير النواب، هل اشتكى أحد من إني أكلت منه الصاص هذه المرة؟
قال النجيفي: بل أنها اعترفت ببراءتك، فما ترى فيها من عقوبة اتهامك وادخالك العملية واجراء عشرة خياطات ببطنك؟
قال الهاشمي: عفوت عنها، وأشفقت عليها، ولولا أنها من رعيتنا لما فعلْت، ثم أنشد قائلاً:
يا والي النوّاب هذي حبّةً..
لا تجعلنّ بحجمها كالقبةِ..
لم تتهمني بجنحةٍ وجنايةٍ..
بل كل تهمتها بأكلِ العمبةِ..
فبكت المرأة وبكا النجيفي والمالكي، وذهبت المرأة لبيتها مطمئنة.
ولما راى النجيفي ما جرى، التفت إلى المالكي وقال:
أ مُعزِّ دين الله والله انجلى..
مني من الهمِّ.. ومن احزإني..
إن العيون بكم لقرّت وانتشت..
من عدلكم وارتاحت العينانِ..
وقيل أن الهاشمي لم يحتمل العشر خياطات، فاحتمل الوجع عشرين سنة ثم مات، وأول المعزيات كانت صاحبة العمبة، فقد دخلت العزاء تنشد:
ليت الذي قد مات زوجي وانتهى..
والزقنبوتُ ببطنهِ احشاهُ..
فلَموتُ طارقَ ساكنٌ بحشاشتي..
كالسيف وسط القلبِ قد أمضاهُ..
ثم شهقت وماتت.
لبديع الزمان
#رسلي_المالكي
___________________________________________
معلومات إضافية
- عودة: العودة الى مقالات رسلي
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.