مقالات مختارة

سياسية, اقتصادية, اجتماعية

في فيضان بغداد واستنجاد مها الدوري بأبي إسراء

قيم هذه المقالة
(0 تقييمات)
Print Friendly, PDF & Email

عن حطامة ابن الأغبر انه قال:

حين أمطرت سماء بغداد وبدت المياه تغمر أزقتها، علم الخليفة المعز لدين الله نوري المالكي بذلك، فول في حيرة من أمره وما سيصنع ليبعد الماء عن رعيته قبل أن يغمر المزيد من محلاتها.
فأرسل إلى أمير الجند بابكر زيباري يأمره بأن يعمل الجيش على بناء الخنادق وعمل السدود، ولما انصرف زيباري جائت إحدى العاملات في القصر واسمها مها الدوري، وهي مها بنت العميس بنت المهلب ابن أبي صفره الدوري، وقد تطينت عبائتها من طين بغداد فلم يكن في عهدهم واقيات، ففتحت باب غرفة المالكي وأنشدت قائلة:

أين من يوم الإفاضاتِ أفر؟
يوم ماء المجرى أم يوم المطر؟
لي عيالٌ فاض فيهمُ المكان..
أين مأواهم وماءٌ ينهمر؟
يا مُعزَّ الدين من ذا نشتكيه؟
أنت بعد الله يا نوري المَفَر..

فلما سمع المالكي منها ما قالت، شقَّ عليه ذلك، ولم يدرِ ما يفعل، ولم يرد أن يبوح بدمعه أمام امرأة، ولما خرجت مها الدوري، بكى المالكي بكاء من اشتدت فاقته، وأخذ يمسح الدمع بالبردة، ثم نادى على عاملهِ علي الدباغ وقال له: أريد جزمه ! فلما جاءه بها لبسها المالكي واخذ معه وزراء وعمال وجند، وحمل كركاً وقزمة، وذهب نحو بيت مها الدوري وهويصيح: لبّيك! ثم ضرب بالقزمة أمام بيتها ولما ضرب الجند معه الأرض قال لهم بل قفوا، فإنما الدربونةُ فاضت بما كسبت يداي، وإنكم لن تحملوا معي وزري يوم القيامة، فأنا من سوف يسلك المجاري أمام بيت هذه الاعرابية، إذهبوا إلى رأس الشارع، وسأبقى أنا هنا.
فلما سمعت الدوري الحديث من وراء الباب خرجت وقد نقعت تماما بالمياه فلما رآها المالكي أنشد قائلاً وهويضرب بالقزمة:

ما لهذا الماء منا من مَفَر..
لو أردنا سوف نشربُ النهر..
فالعيالُ يا مها فوق الرقاب..
والأمانات على الراعي كُثُر..
ليت لي " كاوسكي " كي أبني السدود..
لطمرتُ النهر يوماً والبحر..

فزغردت مها الدوري لما سمعته من فصاحة ولي الأمر، وأعجبت به، وكانت أرملة بعد أن استشهد زوجها في واقعة الحواسم، فأمسكت القزمة من يد المالكي ونظرت إليه وقالت:

يا طامساً بالماء قُرب محّبهِ..
مهلا فدعه لنارهِ يطفيها..
فيّض به بيتي، وكل ملابسي..
واحذر على روحي فإنك فيها...

فلما سمع المالكي ذلك، اتمّ عمله بهمة، وانجلى الماء، وطلب يد الدوري وتزوجها واحتفلا، وكانت الزفة من بغداد إلى طويريج ركضا على الاقدام، والرعية تصيح: فرحنه واليودنه يفرح ويانه....

 

 

لبديع الزمان
#رسلي_المالكي

___________________________________________

 
 

معلومات إضافية

القراءات 68 مرة

اترك تعليقا

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.

Image

للتحدث معنـا

عـدد الـزيارات

مجموع الزيارات للمــوقع 78731

حاليا يوجد 2 guests ضيوف على الموقع

Kubik-Rubik Joomla! Extensions