مقالات مختارة

سياسية, اقتصادية, اجتماعية

مائدة كورونا .. أدباء في مواجهة الجائحة

قيم هذه المقالة
(0 تقييمات)
Print Friendly, PDF & Email

 

يطلق عليه البعض من متابعيه تسمية " مانغويل العرب " تشبيهاً بالروائي والكاتب والمحرر الأدبي الكندي المعاصر ألبرتو مانغويل المولود في الأرجنتين ، والذي اشتهر بقراءاته المنتقاة لكتب الأدب والفكر والفلسفة وتلخيصها للقراء في باقة واحدة هي اشبه بمائدة أدبية متنوعة تتضمن المتعة والاثارة والفائدة ، كما فعل ذلك في كتبه " تاريخ القراءة " و " يوميات القراءة " و " فن القراءة " و " المكتبة في الليل " ، غير أن الكاتب والمؤلف المسرحي العراقي علي حسين ، الذي يُعدُ ظاهرة تنويرية معاصرة في الثقافة الشعبية المستندة إلى مشروع رصين للقراءة المنفتحة على شتى الثقافات الإنسانية وفلسفاتها وآدابها وفنونها ، يصف نفسه بأنه : " كاتب على باب الله " ! .

وهذا " الكاتب على باب الله " أصدر في السنوات الأخيرة ، ما عوض عن سنوات شبابه المهدور في محطات العمر المريرة القلقة ، بل أنه بدأ ينافس في عمله الأدبي والثقافي والصحفي ، ما تقوم به مؤسسات ثقافية لم تنتج شيئاً مفيداً ، يضاهي ما أنجزه من مؤلفات ذاع صيتها بين جمهور القراء ، هؤلاء الذين تركوا له مهمة القراءة المنتقاة ، وانتظروا منه الحصاد الجاهز لعشرات بل مئات الكتب المهمة التي لم يتح لهم الاطلاع عليها سابقاً ، أو أنهم وجدوا في تلخيصات الخال علي حسين – كما يحلو لهم أن يسموه – ما يغنيهم عن قراءتها كاملة . ولم يخب ظنهم به ، فقد توالت اصداراته تباعاً في السنوات الاربع الأخيرة ، " في صحبة الكتب " ، و " دعونا نتفلسف " ، و " سؤال الحب " ، و " غوايات القراءة " الذي يمثل استكمالاً لصحبة الكتب ، وأخيراً كتابه الجديد " مائدة كورونا .. مفكرون وأدباء في مواجهة الجائحة " الذي جمع 21 مفكراً وأديباً من شتى أنحاء العالم ، وهم يواجهون جائحة كورونا بأفكارهم ومقالاتهم وأحاديثهم .

يكتب علي حسين في تقديمه لكتابه : قبل أشهر قليلة نشرت مجلة " فورين بوليسي " تحقيقاً بعنوان " كيف سيكون العالم بعد جائحة فايروس كورونا " ، أكدت فيه أن الدمار الذي أحدثه الفايروس لا يقل أثراً عن تداعيات سقوط جدار برلين ، أو الأزمة الاقتصادية عام 2008 ، وقد طرحت فورين بوليسي سؤالاً مهماً على عدد من المفكرين حول اذا ما سيتم التخلص من العولمة ؟ . في بعض الاجابات كانت هناك اشادة غريبة بالفايروس الذي اعتبره البعض علاجاً محتملاً لكوكب الأرض ، وأنه أفضل طريقة لكبح الرأسمالية المعولمة ، واستعادة فضائل المجتمعات والبلدان التي استحوذت عليها فضائل الاسواق والشركات .... وهذه المقالات سلسلة من البورتريهات التي أردتها أن تجمع بين المتعة والفائدة ، واترك للقراء أن يحكموا ان كان ما قدمته يظل صالحاً بعد انتهاء أزمة كورونا ، أم سيصبح هذا الكتاب من الماضي " . بعد مدخل قصير يتضمن عبارة لهوسرل عن أزمة العالم الحديث ، سبقته مقولات من اعمال شكسبير والبير كامو وغابريل غارسيا ماركيز ، يبدأ الكتاب باستذكار كارل ماركس تحت عنوان " كورونا تخرج كارل ماركس من قبره " يشير فيه الكاتب إلى مرور ثلاثين عاماً على صدور كتاب فيلسوف التفكيكية جاك دريدا " أطياف ماركس "، وإلى احتفال مجموعة أشخاص بمدينة كيمنتس شرقي ألمانيا في شهر ايار الماضي والعالم يجتاحه فايروس كورونا ، بمناسبة حلول الذكرى الـ 202 لميلاد كارل ماركس ، المولود في هذه البلدة الصغيرة في الخامس من أيار عام 1818 ، وقد استحضر العديد من المفكرين ماركس خلال أزمة كورونا ولاسيما اشارته إلى أن الرأسمالية في سعيها المحموم لتحقيق أقصى الأرباح إنما تدمر البيئة ، فضلاً عن أن تفشي الوباء كشف عن ضعف النظم الصحية ، بالرغم من أهميتها الماسة لحياة البشر . ويستعرض الكاتب محطات مهمة من حياة ماركس واجتماعه بفريدريك إنجلز لوضع الصفحات الأولى من " البيان الشيوعي " منتهياً إلى التساؤل : هل فايروس كورونا سيخرج ماركس من قبره ؟ والجواب ما كتبه لوي آلتوسير قبل اكثر من 50 عاماً : " ان ماركس برغم كل شيء سيظل ذلك الذي يزعزع كل الفلسفات التقليدية من أساسها " .

تتوزع مقالات الكتاب بعناوينها المتنوعة على مساحة واسعة من الكتب والمقالات والفلسفات الحديثة والمفكرين والأدباء ، ولربما تتيح لنا قراءة عناوين تلك المقالات امكانية تكوين فكرة عن مضامينها التي تندرج كلها تحت مائدة كورونا : " الوباء من كامو إلى فوكوياما " ، " سلافوي جيجيك .. الشيوعية وكورونا وما بينهما " ، " أمارتيا سِن .. البحث عن مجتمع ما بعد كورونا " ، "يورغن هابرماس .. كورونا والمأزق الديموقراطي " ، " نعوم تشومسكي .. الأمل في مواجهة كورونا " ، " أمين معلوف .. الوباء في زمن غرق الحضارات " ، " ألان تورين .. العيش في أزمنة الوباء " ، " ريجيس دوبريه .. أوروبا في قبضة الوباء السياسي " ، " إدغار موران .. وجوه الفايروس الثمانية " ، " بيتر سينغر .. الفايروس والأخلاقيات الأكثر اتساعاً " ، " نسيم طالب .. البجعة السوداء التي تنبأت بكارثة كورونا " ، " أرونداتي روي .. كورونا أزمة كراهية وأكذوبة تفوق " ، " طارق علي .. الوباء والبحث عن الأوهام الضائعة " ، " أورهان باموق .. الوباء بين الخوف والتضامن " ، " جوديث بتلر .. كورونا أعاد لنا كوابيس كافكا " ، "بول أوستر بين الآلة الكاتبة ورعب السياسة الأمريكية " ، " الطاهر بن جلون .. يبث أحزان كورونا إلى صديق بعيد " ، " اليف شافاك .. كورونا بين صدام الحضارات وصراع الثقافات " ، " ميشيل أونفري .. كورونا وانهيار الحضارة الغربية " ، وأخيراً " آلان باديو .. الوضع الوبائي في ظل العولمة الرأسمالية " . وفي كل هذه المقالات فإن علي حسين يقدم موجزاً لسيرة كل مفكر وأديب وأهم مراحل حياته وأبرز أعماله وأفكاره ، حتى صار الكتاب – على صغر حجمه – وكأنه موسوعة أدبية مختصرة ، اجتمع اعلامها على مناسبة مائدة كورونا التي اجتهد المؤلف في ترتيبها والاعداد لها ، وفي دعوة الضيوف لها من الأحياء والأموات ! . ونراه وهو يواصل كتابة تقديمه لكتابه يقول : " يجد بعض الباحثين أن فايروس كورونا أصبح عوناً للأحزاب اليمينية في أوروبا واميركا ، فقد استخدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الفايروس لمناهضة الهجرة وتشجيع العنصرية ، فيما أظهر الرئيس البرازيلي ازدراءه لنصائح الاطباء والباحثين ، واستغل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الأزمة لتأجيج الإسلاموفوبيا والتخلي عن العمال والمهاجرين الفقراء الذين جاءوا إلى مدن الهند من قراها " .

كثيرون أدهشتهم سرعة استجابة علي حسين لجائحة كورونا بإصداره كتابه الجديد هذا ، فقد عدتهُ د . لاهاي عبد الحسين استاذة كرسي علم الاجتماع في جامعة بغداد ، العمل الأسرع ، وقد يكون الأول على مستوى الصحافة العربية ، فيما قال عنه د . علي المرهج أستاذ كرسي الفلسفة في الجامعة المستنصرية ، انه جمع كل المفكرين ومن كل حدب وصوب في كتاب ، ولم ينشغل في الاقصاء لأحدٍ منهم ، وتمكن من جعل الكورونا مائدة يجمع فيها الشتيتين حيث لا تلاقيا ! . غير أن " الخال " لا يتوقف كثيراً عند ذلك ، فهو يعلن لقراءه عن قرب صدور كتابين جديدين هما " كتب ملعونة " و " المتمردون " . كما يواصل بهمة لا حدود لها تقديم زاويته في صفحته على الفيسبوك " صباح الكتب " التي يختار فيها لمتابعيه فقرة خاصة من قراءاته الجديدة ، وهناك أيضاً عموده السياسي المثير للجدل بسبب صراحته وجرأته اللامتناهية في تشخيص مظاهر الفساد السلطوي ، بالوقائع والأسماء الصريحة ، وهو عمود يومي تنشره جريدة " المدى " تحت عنوان " العمود الثامن " . وكثيراً ما خشي عليه أصدقائه وقرائه بسبب جرأته وصراحته في هذا العمود الذي يهاجم فيه بشكل متواصل العديد من السياسيين والحزبيين والمسؤولين الحكوميين المعروفين ، ويعري مصالحهم وغاياتهم ، ويكشف زيفهم وطائفيتهم وعوراتهم وتناقضاتهم ، لكنه يمضي بضحكة ساخرة وهو يتأبط مجموعة جديدة من الكتب اقتناها من مكتبات شارع المتنبي .

لعله مطمئن إلى أن الذين يهاجمهم لا يقرأون ما يكتب ، أو أنهم لا يكلفون أنفسهم متابعته والانشغال به ، وقد ينتظرون الخلاص منه يوم أن يواجه مصيراً مثل مصير الجاحظ الذي مات مدفوناً تحت الكتب ! . ___________________

بغداد

القراءات 307 مرة

اترك تعليقا

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.

Image

للتحدث معنـا

عـدد الـزيارات

مجموع الزيارات للمــوقع 78629

حاليا يوجد 9 guests ضيوف على الموقع

Kubik-Rubik Joomla! Extensions