رواية الكاتب العراقي الشاب رسلي المالكي
مقالي لجريدة بغداد الأخبارية عن رواية الشاعر والكاتب العراقي الشاب رسلي المالكي. وهي رواية مدهشة يمكن ان تصنف ضمن الروايات البوليسية غير انها تتعدى المفهوم التقليدي لهذا الصنف من الروايات لتقدم رؤية متقدمة وربما نبوءة للانهيار الاقتصادي والازمة المالية التي يعيش المواطن تحت وطأتها هذه الأيام !
شيفرة رسلي المالكي!
أعترف بداية انني قد ترددت كثيرا في الاقبال على قراءة رواية " الانهيار" للكاتب والشاعر العراقي الشاب رسلي المالكي،فليس من السهولة ان تقتنع باضاعة وقتك في قراءة كاتب شاب لم تتح لك الفرصة لأن تقرأ له شيئا من قبل،أو ان تشعر ان روايته ربما تكون نسخة مكررة ومشوهة من روايات الروائي الشهير دان براون،شكلا ومضمونا،وصلا حد التشابه في نسق العنوان، وطريقة تقطيع الفصول وعددها،وحتى اسلوب تصميم الغلاف!
ولولا مصادفة قادتني الى روايته المعروضة في احدى مكتبات شارع المتنبي،بعد أشهر من صدورها، ولولا مناقشة طريفة وسريعة مع أحد المارة المدمنين على قراءة الروايات الذي أشاد بالرواية بعد ان عرفني بنفسه على انه أفضل قاريء رواية في المتنبي،لما اتيح لي أن اتعرف على هذه المفاجأة المدهشة في الأدب الروائي العراقي البوليسي الرمزي التي يظهر فيها رسلي المالكي محترفا في خلق وتحليل الشيفرات والرموز الرقمية والنصية في حبكة روائية تقطع أحداثها الأنفاس،ولا تدعك تترك صفحاتها من دون ان تواصل لذة القراءة الممتعة والاكتشاف والاثارة التي تبدأ منذ الصفحات الأولى للرواية،حين يتم استدعاء المحامي مهدي العلي من منزله في حي زيونة للكشف على جثة موكله الرئيس محمد المختار الذي تم اغتياله بطريقة مخابراتية متقنة في احدى زنزانات المخابرات العراقية التي اتخذت من الشعبة الخامسة للاستخبارات العسكرية في الكاظمية مقرا لها بعد 2003 . ومن هنا تبدأ رحلة فك الرموز والكشف عن عن حقيقة اغتيال الرئيس ، وليس موته بسكتة قلبية مفاجئة كما كانت تخطط المخابرات لأعلانه على الناس بتأييد من أشهر أطباء الطب العدلي ، وتبدا معها رحلة البحث لايجاد مكان الكنز الذهبي الذي خباه الرئيس من اجل انقاذ البلاد من عاصفة الانهيار الاقتصادي العالمي العاتية التي نتجت عن انهيار أسعار النفط وهبوط قيمة الدولار والعملات العالمية .
لقد خبأ الرئيس الذي نحي عن السلطة،واعتقل في الزنزانة 12 في مقر المخابرات،وجرى اغتياله داخل هذه الزنزانة،كنزا من الذهب الذي وحده ينقذ البلاد من الانهيار الاقتصادي،وما ينتج عن هذا الانهيار من تخفيض للمرتبات وتسريح الالاف من الموظفين،وفرض المزيد من الضرائب،وتذمر الناس وخروجهم بتظاهرات ضد الحكومة، فهم " الذين سيعانون الانهيار حد الموت .. سيشحذون .. ويتصارعون .. ويموتون .. في كل العالم .. بينما يرتشف الفاعلون نخب ثرائهم الجديد " غير ان الرئيس الذي كان يتنبأ بحدوث مثل هذا الانهيار الاقتصادي، لم يشأ ان يكون الطريق سهلا الى ذلك الكنز، انما يمر بسلسلة من الشيفرات والأرقام والرموز والنصوص الشبيهة بتنبؤات المنجم الفرنسي الشهير نوسترأداموس، وشبيهة برموز الروائي الأميركي المعاصر دان براون،وبالأخص في أحداث روايته الشهيرة " شيفرة دافنشي " التي امتزجت فيها الاثارة البوليسية بالفلسفة والعلم والدين،من خلال تحليل شيفرات الاعمال الفنية الكبيرة لفنان عصر النهضة الايطالي ليوناردو دافنشي وفي مقدمتها لوحة " العشاء الأخير " للسيد المسيح وحوارييه .
رسلي المالكي سار على خطى دان براون،فالمحامي مهدي العلي يذكرنا بشخصية روبرت لانغدون استاذ علم الرموز الدينية في جامعة هارفرد، بطل رواية " شيفرة دافنشي "، وتلميذة مهدي العلي الطالبة مها التي رافقته في رحلته الخطيرة للبحث عن كنز الذهب،تذكرنا بالشرطية القضائية الفرنسية صوفي نوفو التي رافقت لا نغدون في رحلته الطويلة للفك الرموز والشيفرات والاسرار،غير ان احداث " الانهيار" أحداث عراقية خالصة،وأماكنها بغدادية تماما، فيها تعقب ومطاردات مثيرة واغتيالات، في شوارع زيونة وفلسطين وحيفا والمنطقة الخضراء والجادرية ومطار بغداد،وأروقة وممرات نصب الشهيد والمتحف العراقي ونصب الجندي المجهول ونصب الحرية وكنيسة الأرمن في ساحة الطيران والمندى الصابئي في القادسية ومقام الخضر في العطيفية ونفق ساحة التحرير،وضفاف دجلة بين جسري الشهداء والأحرار حيث ..... لا أريد أن أفسد عليكم متعة قراءة هذه الرواية المثيرة الجريئة!
رسلي المالكي هو شيفرة بحد ذاته .. كيف تمكن هذا الشاب ان يخرج بمثل هذا العمل المدهش وهو في أول الطريق ؟ وكيف سيقنعنا بروايته الجديدة - التي ينكب هذه الايام على كتابتها - بأنه لن يتبع دان براون هذه المرة بمثل ما اتبعه في روايته الأولى ؟ كلي ثقة بأنه يمتلك الأدوات اللغوية،والقدرة السردية،والمهارة والذكاء،لأن يكون مفاجأة الجيل العراقي الجديد للأدب الروائي البوليسي المعاصر ،حيث الألغاز والرموز تختلط بالأفكار العميقة،ومعطيات العلم،وموروثات الدين،وقراءة شواهد الفن والحضارة قراءة جديدة تعتمد على الايحاء بأحتوائها على شيفرات ورموز والغاز تقوم الرواية على فكها وتحليلها والوصول الى اسرارها في نص مدهش كله متعة، ومعرفة ، وحبس أنفاس، وتشويق، واثارة.
وان يخرج رسلي من "شيفرة " دان براون بقوة وثقة وهو يشق طريقه في عالم الرواية البوليسية المثيرة بمفهومها الجديد!
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.