كنز في القصور الرئاسية !
بدا الأمر وكأنه رواية بوليسية من روايات أجاثا كريستي ، أو شفرة من شيفرات الروائي ذائع الصيت دان براون ، أو لربما حكاية طريفة يشوبها الكثير من السحر والخيال ، ولولا ان الخبر لم ينشره مصدر موثوق هو المركز الاعلامي للسلطة القضائية لقلنا انه ليس أكثر من فبركة صحفية خبرية لغرض الاثارة لا أكثر ، غير ان قاضي محكمة الاعظمية مصطفى سامي هو الذي صرح ” بأن قوة مشتركة داهمت بأمر قضائي احدى الساحات التابعة للقصر الرئاسي في الأعظمية ، وان العملية أسفرت عن القبض على مجموعة كانت تحفر في منطقة ترابية داخل القصر تبلغ مساحتها نحو دونمين ” مشيراً الى ” أن المتهمين اعترفوا بتفاصيل الحادث وهو غريب ، وأن اثنين منهم ذكروا في افادتهم بأن معلومات حصلوا عليها من منجم بوجود كنز يحتوي على قطع كبيرة من الذهب والياقوت داخل الساحة في القصر الرئاسي ” !
وفي تفاصيل الخبر الكثير من المعلومات حول كيفية دخول هذه المجموعة الى المنطقة وقيامهم بعملية الحفر في الموقع بأدوات بدائية أولاً ثم ادخالهم حفارة كبيرة، وهم يحفرون من الساعة السابعة مساء حتى منتصف الليل بحثاً عن الكنز باستشارة منجم آخر من خارج بغداد كان يتواصل معهم بواسطة الهاتف ويحاول أن يدلهم الى الكنز بما يدعيه من إمكانيات روحية ! وفي تلك التفاصيل أيضا يبدأ الخيط الأول من هذه الحكاية حين أبلغ أحد المتهمين شركاءه ” بأن امرأته زعمت انها رأت في منامها الكنز داخل غرفة مخصصة لتربية الدواجن ، وان هذه الغرفة موجودة فعلاً وجرى التنقيب فيها بأمر من المنجم لكن دون جدوى ” !
والله ، لو أن مثل هذا الخبر لم يصدر عن مصدر قضائي محترم ومن قاض محترم ، لشككت في صحته ، مثلما يعتريكم أنتم الشك أيضا أيها القراء الأعزاء ، لكنها بغداد مدينة العجائب والغرائب ، مدينة فرانكشتاين أحمد السعداوي وانهيار رسلي المالكي ! وألا هل من المعقول ان تنجر هذه المجموعة المسكينة الى مثل هذا العمل الغريب منساقة وراء أحلام وخيالات منجمين ؟ لو كنت قاضياً لعرضت هؤلاء المخدوعين الذين خسروا الكثير من المال والوقت والجهد على أطباء نفسانيين ولأطلقت سراحهم بعد العلاج فوراً بدلاً من تصديق أقوالهم قضائيا عن ” جريمة الشروع بسرقة أموال الدولة ” .. لقد قدموا قصة جديدة للقضاء العراقي باقدامهم على تسجيل واحدة من أعجب القضايا تضاف الى تاريخه الطويل الحافل بالحكايات الغريبة والحوادث الطريفة .. كما قدموا دليلاً على المستوى الخرافي المتقدم الذي بلغه مجتمعنا الزاهر في القرن الحادي والعشرين!
من جهتي فقد اتصلت بالروائي الشاب رسلي المالكي الذي تنبأ بوجود كنز مدفون ببغداد في روايته البوليسية ” الانهيار ” خشية ان يُزج اسمه في هذه القضية ، فقد يكون أحد المنجمين قرأ روايته وتأثر بها ، لكنه طمأنني بأن مكان الكنز في روايته كان في النهر ، وليس في غرفة الدواجن بقصر الأعظمية الرئاسي !
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.