في التحذير من شحة المياه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ..
أما بعد..
فإنّ ربكم قد جعل حياة خلقه لصيقةً بخلقهِ للماء، حتى إذا شحَّ أو امتنع القطرُ عن أن يُغيث جدبت الأرض، ونفقت الدواب، وعطش البشر، ومات الزرع، واستحالت الحياة، وإنكم في زمن الابتلاء والمحن، أسراهُ الله على خلقهِ امتحاناً، فجعل امتحان عهدكم هذا بشح الماء، وعسر الارتواء، وهو الذي قال (وجعلنا من الماءِ كلَ شىءٍ حي)، وأوحى لنبيه أن يبلغكم أن لا تسرفوا به ولو كنتم على جرف النهر.
إن عالمكم هذا قد دخل بامتحانٍ لم يألفهُ من قبلُ إلا في محنٍ شديدة، وسنينٍ عجافٍ عديدة، وعطشٍ كاسر، وظمأٍ جامح، حتى استحالَ على الأسلاف في محنٍ كهذه أن يجدوا بئرَ ماءٍ يستقوا منه، أو عيناً يرتوونَ منها، إلا أن أسلافكم لم تفرق بينهم الحدود، فكانوا يهاجرون أين الماء، حتى إذا زال الجدبُ عن أرضهم عادوا لها واستقروا، فكيفَ بكم في زمنٍ فرقت بين الناس الحدود، وأوقفت زحف الحشود، حتى صارت سجناً على المرءِ يقاسي فيها الابتلاء، ويعاني الضراء، فلا قوتَ لهُ إلا ما يقتاتهُ من خشن يده، ولا ماء له إلا بما لم يفرط به بالأمس.
أيها الناس، من كان على اغتسالٍ فليقتصد، ومن كان على وضوءٍ فليقتّر، ومن كان على مرحٍ فلا يلوّث، ومن كان لهُ زرعٌ فلا يفيض عليه بلا حاجة، ومن كان على جهلٍ فيتعلم، ومن كانَ على غباءٍ فليُنذَر حتى يخاف، ومن كان على علمٍ فليُعلِّم، فإن الأيام الصعبة لآتيةٌ ولا ريب، وإن قتال البشر على شربة الماء لقادمٌ ولا ريب، وإن قوماً كانوا أهل قريةٍ آمنةٍ مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكانٍ بنهريها وزروعها ومقامها الكريم فكفروا بأنعم الله فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، وهذا ما فعلتموه حين وليتم على أنفسكم شرار خلق الله، ميلاً لطائفةٍ أو عصبةٍ أو جماعة، فأراكم الله كيف أن خياراتكم قد هوت بكم من امتلاكِ نهرين عظيمين إلى البكاء على دوابٍ نافقة، وأشجارٍ يابسة، وصحراءٍ قاحلة، فذوقوا ماصنعتهم.
إن ربكم لمّا ما رأى فيكم شيوخاً رُكع إلا نفاقا، وبهائهمَ رُتّع إلا حراما، وأطفالاً رُضع إلا مما سرقتم، منع عنكم قطر السماء، وشدد عليكم الحر والبلاء، وهو الذي كتبَ على نفسه الرحمة، لكن ذلك ماكسبت أيديكم، وما ربك بظلامٍ للعبيد.
أيها الناس، الله الله في المياه، الله الله في خشية غضب الله، الله الله في حقوق الناس وأموالهم، وأماناتهم ودمائهم، فقد بئتُم بغضبٍ من الله لم يعدلهُ غضب جزاءً بما صنعتم، فانتهوا، وتفكروا في شأن أنفسكم، وتدبروا أمركم، واتقوا يوماً أشد حراً وعطشاً وروعاً، يوم تلتف الساقَ بالساق، إلى ربك يومئذٍ المساق، يوم تبلغ الحلقوم، وانتم حينئذٍ تنظرون، وهو أقرب إليكم منكم ولكن لا تبصرون..
من كانت لديه أمنةٌ فليؤدها إلى أهلها، ومن ظلمَ امرءٍ فليردَ عنه ظليمته، ومن استنصره عبدٌ وهو قادرٌ على نصره فلينصره، ومن اشتكى الناس ظلمهُ فقد باء بغضبٍ من الله حتى يتوب..
أقولُ قولي هذا وأستغفرُ الله لي وليكم، والحمد لله رب العالمين،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
#رسلي_المالكي
___________________________________________
معلومات إضافية
- عودة: العودة الى مقالات رسلي
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.