في الانتهاء من الانتماء للعصب والجماعات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ..
أما بعد..
فإن عارَ تجّارُكم وحُكّامكُم قد طغى، وإن سخف حالكم قد بغى، وأن عمركُم في الحضيضِ قد فنى، حتى ننظرَ سبب ما إلتم إليه فنجدهُ أنتم بأنفسكم، تطيعونَ بلا عقل، وتتحزبون بلا فهم، وتتصارعونَ بلا تفكّر، فترى الرجُلَ يشتمُ الرجُل وهما يقفان في جيفةٍ نتنة، وديارٍ عفنة، ومزابلٍ عطنة، لا يَنظرُ إلى حالهِ قدرَ ما ينظرُ إلى كلامِ من استعبده فأهانه، وسيّرهُ مع قطعانه.
اني رأيتُ تنابزاً وتشاجراً وتسابباً وتشاتماً بين أناسٍ لو شتموا أنفسهم لكان خيرٌ لهم، فلم يزر عليهم أحدٌ قدر وزرهم على أنفسهم، ولم يَجنِ عليهم أحدٌ قدر جنايتهم عليها، تراهم يدافعون عن تيجان رؤوسهم ورؤوسُهُم في التراب، وهم كما قيل:
ويستلذون تعذيب (الجناة) لهُم..
إن المحبَ يرى في ذلّهِ رغَدا..
أمّا وفينا هؤلاءَ فلا مناصَ من الخراب، ولا نجاةَ من الزوال، ولا بُعدَ عن الدمار، فإن غيابَ العقلِ لمُعدٍ للنفوس، ومُذهِبٍ للبصائر، ومُميتٍ للقلوب، ومُحيقٍ بالمصائر، وإن الرجلَ حين يموت قلبه، وتذهب بصيرته، ليعديِنَّ الرجل، فترى مثلَهُما كمَثَل الأعمى حين يقودُ ضريراً، فيتبعهُما كفيف، ويلحق بهما أعور، ثم ترينَّ بصيراً وقد صار غريباً بين كل هؤلاء، فيُدفعَ لادعاءِ عماهُ دفعاً وهو سليم.
إني قد رأيتُ من ظننتهُ بصيراً حتى جادلتهُ فوجدتهُ أعورا، ووجدتُ أعمىً لا فائدةَ من هديهِ غير سماعِ سوءِ أدبهِ فانصرفتُ عنه، إنما هو حضيضٌ فسدت فيه الأمانة، واستشرت الخيانة، تعايرت به الرجال على خواء، ونفشت ريشها أمام بعضها على فراغ، وتجمعت أمام بعضها العصائب، وتكاثرت لترهب بعضها الكتائب، ثم إن عصرت كل هذا لم يسل منه إلا الزقوم، طعامُ الأثيم.
أيها الناس، من رأى منكم عصبةً فليجتنب عنها، ومن اضطر لاتباع جماعةٍ فلينتهِ منها، ومن فرغ جيبهُ إلا أن يسير معهم فليخيطُ جيبه، ومن فرغت عليهِ معدتهُ إلا أن ينضم لبعضهم فليربطها بحجر، إنما هي أيامٌ يمسي المرءُ فيها مؤمناً ويصبحُ وقد كفر، ويمسي كافراً ويُصبحُ وقد آمن، تكاثرت فيه الرجالُ عددا، وكانت مثل غثاء السيلِ مقصدا، تجمعهم الفضائح، وتفرقهم العصي، وتشاركهم النساء فيما هم فاعلين.
الحمدُ لله الذي أنار قلوب المتنورين، وأضاء بصائر العاقلين، وباعد بيننا وبين المُستعبَدين، وجاورَ بيننا وبين الفاهمين، عدد خلقه، وزنةَ عرشه، ومدادَ كلماته، ورضا نفسه، والحمد لله الذي منحنا قولاً مؤثّرا، وكلاماً مُعبّرا، ومنطقاً متنوّرا، ولساناً مُقَدّرا..
يا أيها الناس اذكروا قول الله تعالى: وتعاونوا على البرِ والتقوى ولا تعاونوا على الإثمِ والعدوان، واتقوا الله إنّ الله شديدُ العقاب.
أقولُ قولي هذا وأستغفرُ الله لي ولكم، ادعوه يستجب لكم، واطلبوه ليُنير نفوسكم وقلوبكم، إنما لا هادٍ إلا هو..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
#رسلي_المالكي
___________________________________________
معلومات إضافية
- عودة: العودة الى مقالات رسلي
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.