مركز صدام للفنون، عندما نُهبت ذاكرة العراق الفنية
كارثة مرت بصمت في سنة الضياع، لا تقل فداحةً عن كارثة سرقة وتخريب المتحف العراقي عام ٢٠٠٣ ..
كانت بين جدرانه معظم ذاكرة العراق الفنية، لوحات وأعمال لعمالقة الفن العراقي من رسامين وتشكيليين ونحاتين، أمثال حافظ الدروبي وجواد سليم ومحمد غني حكمت و نداء كاظم و فائق حسن وليلى العطار، الا انه في ليلة سقوط كل شىء في ٩ نيسان ٢٠٠٣، اختفت تلك الذاكرة فجأة، كلها دفعة واحدة ..
#مركزصدام للفنون ..
مئات اللوحات والقطع الفنية والنحتية، طالتها يد الجهل والنهب والتخريب تحت ظل أول دبابة امريكية مشؤومة زمجرت في شوارع بغداد، أيادٍ من جهلها لم تكن تعلم قيمة ما تسرق، وأخرى من حنكتها كانت تعلم ماتفعل من نهب وتخريب وتدمير، بيعت لوحات لا تقدر بثمن في باب المركز بدنانير قليلة، وتم تهريب الجزء الآخر، فيما تعرض الباقي للتخريب المتعمد او الانتقامي من كل ما هو جميل في هذه البلاد ..
كان مركز الفنون هذا الذي اسماه صدام بإسمه شأنه شأن اي مبنى مهم آخر، جوهرة تاج الفن الحديث في العراق، ضم من النفائس ما لن يعوض الى الأبد، لكن دائماً، هناك من يقدر الفن حتى في احلك الظروف، فقد انبرى عدد من ميسوري الحال لشراء ماعثروا عليه في السوق من تلك اللوحات والأعمال، فتمت استعادة ٤٠٠ لوحة وقطعة حتى الآن، قبل أن يلجأ الباعة الى التداول السري في تجارتهم، ما عقّد الموضوع اكثر ..
لقد خسرنا تاريخنا الفني كله بخسارة مركز صدام للفنون، حين امتدت معاول الهدم والتخلف اليه وللنصب التذكارية التي هي اعمال فنية ايضاً بنفس البربرية والقسوة، إنها محنة الجهل والتخلف والتعصب والغباء، تلك التي دمرت كل شىء في تسعة نيسان من ذلك العام ..
اليوم، اختفى المركز من مبناه في شارع حيفا، لتحل في مكانه بذات المبنى وزارة الثقافة الجديدة، واليوم، لو دخلت للمبنى لكرهت نفسك وحظك العاثر الذي انجبك في هذه الفترة القذرة، المبنى بائس حد القرف، المصاعد تعمل بشق الانفس، الممرات موحشة وخالية، بعضها مظلم، الاثاث مستهلك، الجدران مثقبة لغرض مد انابيب المكيفات، بعض زجاج النوافذ محطم لادخال اسلاك الستلايت ..
اما التلفزيونات داخل الوزارة، فتعرض لك توجيهات ومحاضرات رجال الدين طيلة الدوام الرسمي، يطلون عليك من كل شاشة وفي كل غرفة!
لقد رحلت الطواويس، لتحل مكانها الغربان، رحلت الفرشاة والالوان وحلت النعاوي السوداء، رحلت حمائم الرقة والذوق وحلّت محنة الخراب!
أطْبِقْ دُجىً .. أطبقْ ضبابُ ..
أطبقْ جهاماً يا سحابُ!
أطبقْ نعيبُ يُجِب صداهُ البُوم ..
أطبقْ يا خرابُ!
#رسلي_المالكي
١٨ حدود ٥ هجري
١٨ آب ٢٠١٩ ميلادي
___________________________________________
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.