مقالات مختارة

سياسية, اقتصادية, اجتماعية

الحرب العراقية الإيرانية.. كل شىءٍ حولها..

قيم هذه المقالة
(2 تقييمات)
Print Friendly, PDF & Email

يفهم البعض الحرب الحديثة على أن دولة ما تقوم باحتلال دولة أخرى والاحتفاظ بها إلى الأبد، وكأننا نعيش في زمن الإمبراطوريات البائدة والفتوحات الإسلامية.

وهنا يجب توضيح مايلي:
أن الحروب الحديثة تجري لعدة أسباب، منها:

  • شعور دولة ما بالإهانة والإذلال من دولة أخرى، فتقرر توجيه ضربة محدودة لها قد تفتح الباب أمام حرب، إيقاف الحرب هنا هو مطلب الدولتين بعد الاقتناع بأنهما لم تهزما.
  • تضييق دولة على دولة أخرى بمياهها ومواردها وفشل كل المساعي السلمية، مايفتح الباب أمام حرب، هدف الدولة (المظلومة بمواردها) من هذه الحرب هو استعادة حقوقها الطبيعية.
  • أن تقوم دولة بانتهاك سيادة دولة أخرى عن طريق اقتحام مياهها وأجوائها وأراضيها باستمرار، بعد فشل المساعي لإيقاف هذه الممارسات، تقرر الدولة المنتهكة شن الحرب لفرض سيادتها، هدف الحرب هنا إعتراف المنتهِك بسيادة هذه الدولة على حدودها وعدم اقتحامها مجدداً.
  • أن تقوم دولة بإيواء منظمات لها عداء مع دولة أخرى، وتسهل لها السبل لضرب الدولة الأخرى ومصالحها، وهذا يعني إعلان حرب ضمني، هدف الحرب هنا دفع الدولة المستضيفة لهذه المنظمات للتخلي عنهم وإدانة نشاطهم.
  • أن تقوم دولة بالتدخل بشؤون دولة أخرى عن طريق عمليات حرب عصابات أو ضرب المصالح أو الإضرار بمواقفها الدولية، فتقرر الدولة الأخرى شن الحرب للضغط باتجاه توقيع اتفاقية دولية تمنع الدولة الأولى من القيام بهذه النشاطات.
  • أن تقوم دولة ما بتوقيع اتفاقية من دولة أخرى إلا أن الأخيرة لا تلتزم بها، وتقرر التصرف بخلاف تلك الاتفاقية، وهنا على الدولة الأخرى شن الحرب لإجبار الدولة الأولى على احترام الاتفاقية، وهذه النقطة هي محور الحديث..

 

#إتفاقية_الجزائر، التوقيع الذي شن الحرب مبكراً..

كافحت حكومة بغداد طيلة القرن العشرين النشاط الكردي المعادي لها في الشمال، والذي استمر من العهد الملكي إلى تسعينات القرن الماضي، الأكراد يريدون دولة، ولا يقبلون بحكم مركزي في بغداد، وفي السبعينات، ورغم إعطاء بغداد حق الحكم الذاتي للكرد على خلاف وضع الكرد في إيران وسوريا وتركيا، إلا أنهم أصروا على حمل السلاح.

في أواسط السبعينات، لم يكن الجيش العراقي قادراً على مواصلة القتال بسبب شحة الموارد العسكرية والعتاد، أما الأكراد فكان شاه إيران يمدهم بكل احتياجاتهم لتقويض قوة العراق (وهذا هو التدخل الإيراني الأول في العراق).

اضطر العراق لعقد اتفاق مع الشاه يوقف بموجبه امدادات إيران للكرد المتمردين في الشمال العراقي، لكن الضريبة كانت غالية: منح الضفة الشرقية من شط العرب لإيران، ووافق العراق ليحقن دم شعبه المقتتل بشراسة.

بعد توقيع الاتفاقية، كان على إيران أن تحترم حدود العراق الجديدة وسيادته وتوقف التدخل بشؤونه، لكن وصول خميني للسلطة، متزامناً مع وصول صدام حسين، أزّم الموقف، فالخميني يرفع شعار تصدير الثورة للعراق والدول العربية، وهو تدخل سافر بشؤون دول مستقلة لها عضوية بالأمم المتحدة، ومما زاد الطين بلة، إن خميني عين محمد الصدر الأول سفيراً له في العراق، من أجل أن ينظم ثورة فيه تنقلب على نظام البعث وتلحق العراق بالفقيه الخميني، وهنا أعدم صدام محمد باقر الصدر متهماً إياه بالخيانة العظمى.

باشرت إيران بتوضيح موقفها بشكلٍ علني، فبدأت بدفع (حزب الدعوة) لتنظيم عمليات إرهابية في العراق، منها تفجير الجامعة المستنصرية، وضرب تشييع شهداء الجامعة ممن سقطوا في التفجير الأول، ثم شنت سلسلة غارات مدفعية على المخافر الحدودية، ثم أطلقت النار على طائرات فرنسية وبريطانية (مدنية) كانت تهبط في مطار البصرة..

لم يتصرف العراق سوى بلغة دبلوماسية، بعث بأكثر من ٦٠٠ مذكرة للخارجية الإيرانية يوضح لها نتائج غاراتها على العراق وسيادته، ويطالبها بوقف الاعتداءات، بل وزاد ذلك بمذكرات للأمم المتحدة ومجلس الأمن، ولم تتوقف إيران عن فعلها، بل نتج عن القصف سقوط شهداء وجرحى عراقيين بالعشرات نتيجة القصف الذي بدأ مكثفاً في٤ أيلول ١٩٨٠.

في حوار مع رئيس الوزراء الإيراني آنذاك عبد الحسن بني صدر، قال عن تلك الضربات: "إن الشاه لم يلتزم بالاتفاقية، فلماذا نلتزم نحن بها؟"، في إشارة إلى أن إيران لا تحترم الاتفاقية.

ثم أن خميني أعلنها للملأ، يجب أن يرفرف علم الثورة الإسلامية فوق بغداد ودمشق وغيرها، يجب للثورة أن تمتد باتجاه العرب، وهنا السؤال: لماذا لا تمتد ثورة خميني شرقاً أو شمالاً!!

زادت إيران الأمر سوءاً عندما بدأت بالتحشيد العسكري في مواقع تهدد سيادة العراق، وهذا يعني التعبئة لشن حرب بالمفهوم العسكري، ثم اخترقت طائرة مقاتلة إيرانية أجواء العراق وأسقطها الجيش العراقي، واحتفظ بالطيار الأسير كدليل على أن إيران هي التي بدأت الحرب.

في ٢٢ أيلول ١٩٨٠، لم يعد أمام العراق إلا أن يدافع عن سيادته أمام التحريض الإيراني في الداخل العراقي، والهجمات العسكرية الكبيرة، وحرب العصابات التي تنفذها إيران داخل العراق، والخطاب المتصاعد ضد العراق إعلامياً.

وبالفعل: أعلن العراق إلغاء الاتفاقية، لأنه لا يمكن أن تسري اتفاقية يحترمها طرف واحد فقط، ولكي يدفع الشر عن حدوده: أعلن أن المدن الحدودية التي تسيطر عليها إيران إنما هي ضمن سيادة العراق (يعتبر هذا عسكرياً مناولة الخصم هدفاً ضمن أراضيه للحفاظ على الأراضي الأصلية).

ظهيرة ذلك اليوم، شن العراق هجوماً شاملاً على إيران، براً وبحراً وجواً، واجتاح أراضيها شرقاً، حتى سيطر على المحمرة وعبادان قبالة البصرة، ومنها اندلعت الحرب.

بعد ذلك الهجوم بعام، أعلن العراق استعداده للعودة للاتفاقية وسحب قواته للحدود التي تنص عليها، لكن خميني رفض، وأعلن أن هدف الحرب هو دخول القوات الإيرانية لبغداد (لاحظ هذا الهدف).

استمرت الحرب، العراق يقبل بكل الوساطات وخميني يرفضها، وبعد سنتين استعادت بها إيران المحمرة وعبادان، بداً جلياً أن خميني ليس مدافعاً بل مهاجماً، فبدأ يحشد لاحتلال مدن العراق الحدودية.

عاد العراق لموقفه، يدافع بيد ويعلن استعداده لوقف الحرب بأخرى، لكن خميني يرفض، حتى احتلت إيران الفاو وحلبجة والشلامجة، وبدأ التحشيد الأضخم على الإطلاق لاحتلال البصرة.

وهنا، بدا أن اندفاع خميني سيكلفه الكثير، فقد شن هجوماً هائلاً عام ١٩٨٧ انتهى بإبادة القوات الإيرانية المهاجمة بالكامل (نحو ٦٥ ألف قتيل)، وهو ما أسماه العراق معركة (الحصاد الأكبر)، سبقتها معارك (اليوم العظيم) و (تاج المعارك)، التي منيت بها إيران بخسائر بشرية مهولة، ثم جاء عام ١٩٨٨، فحرر العراق الفاو بمعركة (رمضان مبارك)، واتجه لتحرير الشلامجة والشمال الشرقي من أراضيه بمعارك (توكلنا على الله).

لم يستوعب خميني، أن بذله نحو ٧٥٠ ألف قتيل طيلة سنين الحرب قد أعاده لمكانه، إلى ما وراء حدوده، وصار عليه رغماً عنه، وحتف أنفه، العودة لاتفاقية الجزائر صاغراً.

في مثل هذا اليوم عام ١٩٨٨، وافق خميني على وقف إطلاق النار والعودة للاتفاقية، واعتبر ذلك (تجرعاً للسم)، فوقف النار من وجهة نظره يعني أنه فشل باحتلال العراق.

في ذلك اليوم، كانت مشاعر الإيرانيين تترنح بين الذهول والحسرة، الذهول من الخسائر الفظيعة دون نتيجة، والحسرة لأن كل هذه التضحيات ذهبت هدراً..

في العراق: كانت المشاعر مناقضة لتلك في إيران، لقد عادت إيران للاتفاقية، وهُزمت، ولم تدخل بغداد، أو حتى حدود العراق، وذلك هو النصر..

تبلغ مساحة إيران ثلاثة أضعاف مساحة العراق، وسكانها ثلاثة أضعاف سكانه، رغم ذلك، لم تتمكن من هزيمة بغداد.

حصلت إيران على سلاح أمريكي واسرائيلي متطور (فضيحة إيران كونترا وسواها)، منها صواريخ تاو ضد الدروع.. ولم تفلح.

انتهجت إيران أسلوب الموجات البشرية في الهجمات، واعتمدت على قاصرين وأطفال في معظمها، ما كبدها خسائر مروعة.

تبادل البلدان القصف الصاروخي فيما عرف ب(حرب المدن)، ما أسقط مئات المدنيين ضحايا من الطرفين، فضلاً عن حرب الناقلات التي قصف بها الطرفان ناقلات النفط لكليهما أو لدول أخرى.

أضرار جانبية:

ضرب العراق سفينة أمريكية بالخطأ في الخليج، ومات بالضربة ٣٦ بحاراً امريكيا.

ضربت البحرية الأمريكية طائرة مدنية إيرانية، وقتل جميع ركابها.

حاولت إيران اغتيال أمير الكويت، وفجرت السفارة العراقية في بيروت.

تمكن العراق من تدمير معظم القوات الإيرانية، وكان الطريق سالكاً لغزو أراضيها بعد ١٩٨٨، لكنه قبل بوقف إطلاق النار.

قتل في الحرب نحو 750 ألف إيراني و 300 الف عراقي، فضلاً عن آلاف الأسرى والجرحى والمعوقين، بسبب إصرار خميني على استمرار الحرب وعدم احترام سيادة العراق.

بقيت القوات العراقية في الأراضي الإيرانية حتى العام 1990، ثم انسحبت تطبيقاً لقرار الأمم المتحدة 591.

أطلق العراق إسم #القادسية على الحرب، وأسمتها إيران (دفاع مقدس).

في ذكرى يوم النصر، تحية إجلالٍ وإكبار لرجال جيش العراق، وليرحم الله شهداء أمتنا العراقية، والخزي والعار للخونة والذيول، والحمد لله على نعمة الفخر والاعتزاز.

 

 

#رسلي_المالكي

___________________________________________

القراءات 980 مرة

2 تعليقات

  • Comment Link احمد الاسدي الأربعاء, 09 آب/أغسطس 2023 00:57 posted by احمد الاسدي

    الله يرحم شهداء العراق وان شاء الله نصر اخر يجرعهم السم للأبد

    Report
  • Comment Link محمد عاصم الثلاثاء, 08 آب/أغسطس 2023 21:37 posted by محمد عاصم

    احسنت التحليل ، دائما مبدع

    Report

اترك تعليقا

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.

Image

للتحدث معنـا

عـدد الـزيارات

مجموع الزيارات للمــوقع 78682

حاليا يوجد 6 guests ضيوف على الموقع

Kubik-Rubik Joomla! Extensions