مقالات مختارة

سياسية, اقتصادية, اجتماعية

المجلات الورقية تتساقط وآخرها « الكواكب» ؟

قيم هذه المقالة
(1 Vote)
Print Friendly, PDF & Email
الكتاب : الاعمدة
المؤلف : د . طه جزاع
 

بكثير من الأسى والألم يكتب علي رياح الصحفي الرياضي البارز عن خسارة لا يدركها – كما يقول - إلا من هم على شاكلته « ممن كانت لهم الصحافة الورقية المصرية واللبنانية والكويتية، زاداً وغنى ومعرفة وإقبالاً على الحياة!»، والمناسبة هي توقف مجلة الكواكب الفنية المصرية الشهيرة عن الصدور الورقي منذ اليوم الأول من حزيران الجاري، بعد تسعين عاماً على صدورها في العام 1932 .. « تسعون سنة كاملة ملأى بالفن والجمال والبهجة، أصبحت جزءاً من ماضٍ لن يعود» .. ينشج رياح من دون دموع ! . بالتأكيد فإن من هم على شاكلة رياح كثيرون جداً، وهم من عموم القراء الذين اعتادوا على الصحف والمجلات الورقية، ومعهم قدماء الصحفيين مثله الذين أمضوا سنوات شبابهم مع الصحافة الورقية، وتلطخت أصابعهم بأحبار المطابع، وهؤلاء يتعاطفون مع لغة الأسى والألم هذه، بل قد يزيدونها دمعة ساخنة عند كل مصيبة توقف مطبوع ورقي . وكثيراً ما يُطرح في مثل هذه المناسبات سؤال على الكُتاب والصحفيين وأساتذة الصحافة والإعلام حول مستقبل الصحافة الورقية، من دون أن تكون اجاباتهم قاطعة بنعم أو لا ، وذلك أمر بديهي بسبب طبيعة السؤال الذي ينتمي إلى نمط من الأسئلة الاستشرافية التي لا يمكن البت بأجوبتها بصورة يقينية ومؤكدة وقاطعة. صحيح أن معطيات الحاضر تشير إلى سيادة المواقع الإلكترونية الخبرية ، وعزوف ملايين القراء عن متابعة الصحف الورقية، وموت الخبر على أيدي الوكالات الخبرية، ومعها القنوات الفضائية التي تنقل الأحداث مباشرة، وتتقصى الأخبار وتتابع الأحداث أمام أنظار ومسامع المشاهدين في كل بقاع العالم، غير أن ذلك كله لا يعني موت الصحافة الورقية، ولا انسحابها النهائي عن مسرح الحياة ، ولو إلى حين لم يحن أوانه بعد .قد تبدو القضية عاطفية نوعاً ما لصحفيين رواد أمثال الصحفي المخضرم زيد الحلي المدافع العنيد عن قلعة الصحافة الورقية، فمن الصعوبة بمكان أن يتصور الصحفي الذي قضى عمره بين هدير المطابع ورائحة الحبر وسخونة الورق، حلول اليوم الذي تشرق فيه الشمس على الأرض من دون صحف ورقية ومن الصعوبة أيضاً أن يغير قراء الصحف الورقية عاداتهم القرائية الصباحية حتى في ظل توفرها على المواقع الإلكترونية، وهذا الأمر قد لا يكون مستساغاً للأجيال الجديدة من الصحفيين والقراء على السواء الذين استغنوا عن الورق واستبدلوه بشاشة الكومبيوتر أو الهاتف الذكي، أو الآي باد، وغيرها من مبتكرات التكنولوجيا الرقمية، يُقَّلبون فيها صفحات الصحف والمجلات بيسر وسهولة مع تحديثاتها المستمرة للأخبار التي لا تتوقف، أضف إلى ذلك أخبار الفضائيات والمحطات الإخبارية التي لا يمكن أن يبات فيها خبراً مهماً حتى الصباح .أمام هذه الحقائق، وأيضاً أمام التغييرات السلوكية للبشر التي فرضتها جائحة كورونا وألقت بظلالها الثقيلة على العالم أجمع، اختفت الكثير من الصحف الورقية، أو انخفضت مبيعاتها وتقلصت أعدادها، وأكتفى الكثير منها بالموقع الإلكتروني، تقليصاً للنفقات وللجهد البشري، ومن أجل الصمود أمام الغول الإلكتروني الرقمي الذي ابتلع العشرات من الصحف والمجلات، وما زالت شهيته مفتوحة لابتلاع صحف ومجلات أخرى قد تجد نفسها مُجبرة في النهاية على الانصياع لمنطق السوق، منطق العرض والطلب الذي يحدد مدى الحاجة للسلعة، حتى وان كانت مجلة أو جريدة ورقية، وهكذا شهدنا توقف صحف عالمية عريقة، منها « الاندبندنت» البريطانية التي انتقلت إلى الإصدار الرقمي إلى جانب أكثر من خمسين صحيفة ومحلية في بريطانيا، وشمل الأمر عشرات الصحف الرئيسية والثانوية في الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا، وفي عالمنا العربي توقفت أيضاً صحف مهمة على الرغم من تاريخها الطويل، ومنها « الحياة « و» المستقبل» و « الأنوار» والكثير من الصحف الثانوية اللبنانية والمصرية ، أما في العراق فكثير من الصحف تكتفي عادة بمواقعها الإلكترونية، ومنها صحف ورقية، تضطر في بعض الإيام للاحتجاب الورقي بسبب عدم توفر الإعلانات التي تغطي تكاليف الطباعة، وتصدر في الأيام التي تتوفر فيها تلك الإعلانات، في ظل واقع يتمكن فيه المواطن من شراء خمس صحف وربما أكثر في يوم صدورها، بمبلغ ألف دينار في بورصة باب المعظم، ويشتري الصحف التي مضت أيام على صدورها على الوزن بالكيلوغرام لأغراض خدمية لا علاقة لها بالقراءة .الصورة تبدو يائسة حقاً : «ومن الصعب كسب المال في قطاع يعاني من انحدار مستمر، بل أن هذا الانحدار يتسارع، وقراء الصحف يتجهون نحو المقابر بينما تتخرج من الجامعات الفئة التي لا تقرأ الصحف « – وفق تعبير وارن بيفيت أغنى أغنياء العالم، الملقب بملك المستثمرين - . غير أن الحرس القديم للصحف الورقية من الصحفيين والقراء يأبى الاستسلام حتى وإن دخلت تلك الصحف غرفة الإنعاش، والأمل يحدوهم أنها لن تلفظ أنفاسها الأخيرة، على الأقل وهم على قيد الحياة، أطال الله في أعمارهم، وعمر الصحافة الورقية! .

القراءات 132 مرة

اترك تعليقا

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.

Image

للتحدث معنـا

عـدد الـزيارات

مجموع الزيارات للمــوقع 78630

حاليا يوجد 18 guests ضيوف على الموقع

Kubik-Rubik Joomla! Extensions