الهيكلان حسين وحسنين
المؤلف : د . طه جزاع
يروي الصحفي اللبناني كريم بيروتي في كتابه «محمد حسنين هيكل .. قصة حياته»، أن سعيد عبده، رئيس تحرير آخر ساعة، أول من التبس عليه أمر التشابه، بين محمد حسنين هيكل في بداية ظهوره، وبين الباشا المعروف محمد حسين هيكل زعيم حزب الأحرار الدستوريين في مصر، والأديب المعروف صاحب رواية « زينب .. مناظر وأخلاق ريفية « : عندما استقبله لأول مرة في مكتبه بعد أن أبلغته السكرتيرة أن محمد حسنين هيكل يطلب مقابلته فخرج إلى لقائه في مكتب السكرتيرة وهو يعتقد أن (الباشا) جاء لزيارته، ولكنه فوجيء بالشاب القصير القامة الذي قال أنه جاء للعمل في المجلة بعد اتفاقه مع صاحبها محمد التابعي. وتكرر ذلك أيضاً ، حتى عندما أصبح هيكل بعد سنوات رئيساً لتحرير آخر ساعة وذهب إلى بيروت، واستُقبل هناك على أنه الباشا المعروف : « وكان هيكل الصحفي المبتديء سعيداً بهذا التشابه في الأسماء بينه وبين هيكل باشا « .
بدأ هيكل عمله الصحفي في الأربعينيات، ويومها كان اسم الباشا محمد حسين هيكل يملأ الآفاق، سيما وأن روايته الوحيدة « زينب» قد تحولت منذ العام 1925 إلى أول فيلم مصري صامت، كما اكتسب كتابه « حياة محمد» شهرة واسعة في العالمين العربي والإسلامي منذ صدوره في العام 1935 وتناوبت المطابع على إصداره بطبعات متعددة بعد نفاد طبعته الأولى، وفي مقدمته للطبعة الثالثة يشكر المؤلف الله على ما لقى هذا الكتاب من تقدير الذين اطلعوا عليه من المسلمين وغير المسلمين. ويبدو أن « الجورنالجي» المبتديء محمد حسنين هيكل كان يشعر بالسعادة فعلاً لمثل هذا التشابه في الأسماء. و» الجورنالجي محمد حسنين هيكل .. النشأة والصراع» هو عنوان الكتاب الذي ألفه معاصره سمير صبحي عن زميله هيكل، وكان الأخير يحب استخدام هذه الصفة من بين العديد من الأوصاف التي اطلقت عليه، وفي رسالته إلى مؤلف الكتاب كتب هيكل : كذلك جاء وصفي الأثير للمهنة وهو « الجورنالجي» أما تلك الأوصاف التي أعطيناها لأنفسنا أو خلعناها على بعضنا البعض من نوع ووزن « الأستاذ الكبير» و» الصحفي الكبير» فكلها فقاعات ملونة منفوخة بالهواء لا تصنع قيمة ولا تؤكد مكانة. ويضيف : إن كل صحفي يجب أن يكون بالدرجة الأولى «جورنالجي» يتعامل مع الأخبار باعتبارها المادة الرئيسية الأولى لصناعته. وهو يستطيع أن يحسن العرض ويجيد اللغة، لكنه وهو يفعل ذلك لا ينبغي له أن ينسى مادته الرئيسية الأولى.
حين توفي « الباشا « هيكل نهاية 1956 وهو في سن 68 عاماً، كان « الجورنالجي» هيكل في عز شبابه، وكذلك في بداية رحلته الناجحة إلى النجومية والشهرة التي تعدت مصر والوطن العربي لتصل إلى مختلف الأوساط السياسية والصحفية العالمية من واشنطن إلى بكين، وليصبح اسمه هو الأول على امتداد سنوات وعقود النصف الثاني من القرن العشرين بأكملها، حتى وافته المنية بعد عمر طويل « 93 « عاماً . وحين يُذكر اسم هيكل اليوم، فلا أحد يعني سوى محمد حسنين هيكل، فيما توارى اسم محمد حسين هيكل ليبقى فقط في دائرة اهتمام النخبة من القراء والادباء والنقاد، والباحثين في البدايات العفوية للرواية المصرية الحديثة، وفي تاريخ الباشوات والأحزاب السياسية المصرية .
ومع الشهرة الواسعة التي حصل عليها محمد حسنين هيكل ولاسيما بعد ثورة يوليو وصداقته وقربه من جمال عبد الناصر، فإنه لم يفكر يوماً بأن يكون نقيباً للصحفيين، ومن المثير أن ينشر أحد كبار الكُتاب المصريين مقالاً في نيسان 2016 بعنوان «ما علاقة هيكل بنقابة الصحفيين؟ « لمناسبة احتفال النقابة باليوبيل الماسي لتأسيسها، وبما يشبه الاستغراب أو الاحتجاج يكتب عبد الرحمن فهمي : لا مانع .. ولكن المهم أن من قرروا هذا لا يعلمون أن الأستاذ هيكل لم يذكر اسمه قط في قصص الكفاح لإنشاء النقابة ولم يكن يوماً نقيباً ولا رشح نفسه، بل لم يفكر قط في هذا – دليل احترامه للنقابة – بل أكثر من هذا كله ما قاله لي صحفي نقابي قديم ويتحدى .. هيكل لم يدخل في حياته مبنى النقابة ولا أعطى صوته قط في أي انتخابات ويتحدى!! هذا هو الذي تكرمه النقابة !! .
ربما، كان ذلك دليل احترام هيكل للنقابة، كما يعتقد عبد الرحمن فهمي جاداً أو ساخراً، وربما كان مؤمناً بأن النجاح في الصحافة والشهرة الواسعة، لا تعنيان بالضرورة النجاح في العمل النقابي الذي يتطلب مزاجاً خاصاً، ويقتضي توفر مهارات بعينها قد لا تتوفر في الكاتب الكبير، وإن كان بحجم محمد حسنين هيكل .
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.