انقلاب فاروق هلال
المؤلف : د . طه جزاع
يعول الفنان الموسيقي الملحن فاروق هلال كثيراً على ما أسماه بالانقلاب الموسيقي في اللحن العربي، الذي سيعلنه عصر اليوم الاثنين التاسع من أيار2022، وهو يريد من هذا اليوم، الذي سيقدم فيه محاضرته الفنية، أن يكون يوماً مشهوداً من قبل نخبة من الحضور المعنيين بالموسيقى والألحان والغناء، وأن يكون هؤلاء شهوداً على أن هلال الذي تجاوز السادسة والثمانين من عمره ما زال في عنفوان التوقد الذهني الذي يؤهله لأن يتوج خبرات حياته ومعرفته الموسيقية بالإعلان عن انقلاب يجمع فيه آلتين موسيقيتين وتريتين هما آلة العود العربي وآلة التشيللو في آلة واحدة أسماها « العود تشيللو». ومنذ عودته للمرة الأولى إلى بغداد مطلع تشرين الأول الماضي، بعد غياب دام 18 عاماً، حرص فاروق هلال على أن تكون هذه العودة هادئة تماماً، على الرغم من الحفاوة التي استقبل بها من زملاء وأصدقاء قدماء، خلال حفل بسيط نظمه مجموعة من الشباب أطلقوا على أنفسهم تسمية رابطة عشاق القيصر كاظم الساهر في العراق، وفي هذا الحفل الذي أقيم في نقابة الفنانين تحدث هلال عن مسيرته الفنية المكللة بالروائع اللحنية منذ بداياتها وأبرز محطاتها، من إعادة توزيعه وغنائه للأغنية التراثية «يا صياد السمج» مروراً بالأغاني والأناشيد الشبابية والجماهيرية، وتلحين الأغاني مثل «سألت عنك « لمائدة نزهت، و»علمني عليك» لعبد الله الرويشد، وغيرها الكثير، وكما كتبتُ في حينه فإن هلال كان متدفقاً وعفوياً وصريحاً كما عهدناه، ولم تزده سنوات عمره إلا رصانة محببة، وحلاوة في التعبير، ومحبة تحسها في ابتسامته الهادئة ونظراته الصافية. وقد تحدث العديد من الفنانين الذين حضروا اللقاء عن تجاربهم وذكرياتهم معه، لكن من أبلغ الكلمات والمواقف تلك التي جاءت من صاحب اللحن الشهير»غريبة الروح» الفنان محسن فرحان الذي خاطب فاروق من على كرسيه المتحرك: كنتُ أخاف أن أموت قبل أن أراك « ثم أجهش بالبكاء « .بعد أيام قلائل من وصوله لبغداد، غادرها مجدداً، لكنه كان يخطط هذه المرة لضجة تستحق العودة يختتم بها مسيرته الموسيقية الطويلة، وعندما تواصل معي هاتفياً قبل أسبوعين أحسست بروح الفرح والحماسة الشديدة في نبرات صوته وهو يعلمني بوصوله مجدداً إلى بغداد، ويدعوني لأكون واحداً من الشهود على انقلابه الموسيقي الذي يكلل فيه مسيرة حافلة بالإبداع والتجدد على امتداد أكثر من ستة عقود، غطت النصف الثاني من القرن العشرين بأكمله.. بالتأكيد فإن انقلاب فاروق هلال الموسيقي لا يمكن فهمه جيداً، إلا للمهتمين بالموسيقى نظرياً وعملياً، ومعهم صُنّاع الآلات الموسيقية الوترية، الذين وحدهم يمكنهم الحكم على أهميته، لكنه حاول توضيح ركائز انقلابه هذا في أربع صفحات دفترية كتبها بخطه المميز الجميل خلاصتها تقديم الآلة الموسيقية الجديدة «العود تشيللو» ودوزاناتها التي ستكون فيها قدرة الأداء على ثلاث طبقات بديلاً للطبقة الواحدة التي حكمت اللحن والغناء لقرون طويلة، كما ستصبح عدد درجات الانتقالات اللحنية في المُبتكر الجديد 21 درجة بدلاً من عشر درجات لحنية، وذلك يعني في النهاية أن الدوزان الانقلابي المُبتكر سيتغلب على المشاكل التي تتعرض لها الحنجرة البشرية بسبب تقدم العمر خصوصاً الأداء الانفرادي وهو الأصعب في التوافق، أو بسبب الفوارق في التكوين البايولوجي ما بين الحنجرتين الرجالية والنسائية، كما أنه يمنح العمر في أي مرحلة القدرة على الأداء والحفاظ على ليونة الحنجرة البشرية والحد من جفافها وتيبسها بسبب التقدم في العمر، فضلاً عن بقاء ليونتها لمدة أطول خاصة للصوت المتدرب، ومسايرتها للمتغيرات التكنولوجية وتطور الجينات للأجيال المستقبلية.وعندما سيشرح هلال ابتكاره الانقلابي في الأوزان الموسيقية نظرياً وتطبيقياً، فإن عودته الثانية إلى مدينة قلبه بغداد، لن تكون هذه المرة هادئة من دون ضجة، وبلا انقلاب أخير قد يترك جدلاً واسعاً في الأوساط الفنية والموسيقية، ويطرح رؤية جديدة ربما ستكون محفزاً لثورة لحنية في الموسيقى العربية .
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.