ولا يهمك يا ريس
المؤلف : د . طه جزاع
«وعندما شاهد الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، عبد الحليم حافظ نادى عليه وقال له: انت بتعمل إيه هنا ؟! وقال عبد الحليم أبداً يا افندم، أنا بازور المشير. فقال له عبد الناصر: طيب مع السلامة .. روَّح انت.. وبقي عبد الناصر واقفاً حتى شاهد بنفسه عبد الحليم وهو يركب سيارته ويتحرك بها».. هذه واحدة من حكايات كثيرة ومثيرة يرويها مجدي العمروسي صاحب شركة «صوت الفن» وأقرب المقربين إلى العندليب الأسمر وشريك شبابه وكفاحه والمُطَّلع على خفاياه الشخصية وأسراره، جاءت في كتاب عادل البلك: «حكايات مجدي العمروسي مع رفيق الشارع الطويل عبد الحليم حافظ «، الصادر قبل ما يربو على الثلاثين عاماً عن دار المعارف المصرية.
وعبد الحليم حافظ الذي مرت يوم الأربعاء الماضي 30 آذار الذكرى الخامسة والأربعين لرحيله وهو في عزّ مجده وتألقه ونجوميته الطاغية في سماء الطرب العربي، عاش حياة ليست بالطويلة «48 عاماً»، لكنها حافلة بقصص الكفاح والنجاح والحزن والحب والغيرة والقلق، والمعاناة القاسية مع المرض الذي تمكن منه في نهاية رحلة العلاج الأخيرة إلى لندن. ولعل أكثر ما في حياته من إثارة ومخاطر ومواقف محرجة كادت أن تؤدي به إلى المهالك، تلك التي تعرض لها بسبب تقربه إلى معظم الملوك والرؤساء العرب، أو تقربهم إليه، وبالأخص مع الرئيس عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر وأغلب رجال ثورة 23 يوليو، وكذلك صداقته المميزة مع الملك المغربي الحسن الثاني، إذ كاد عبد الحليم أن يفقد حياته بسبب مصادفة وجوده في المغرب لإحياء احتفالات عيد ميلاد الملك مع حركة الجنرال محمد أوفقير الانقلابية الفاشلة التي انتهت بمذبحة في قصر الصخيرات الملكي أودت بحياة أكثر من مائة مدعو للحفل، وقد بدأ الانقلاب بمحاولة قصف طائرة الملك العائد من رحلته إلى باريس، وكانت صداقة الملك مع عبد الحليم قد تعرضت للانتكاس بسبب وشاية من فنان مغربي قال للملك بأن عبد الحليم غنى اغنية هاجم فيها المغرب والمغاربة بسبب مشكلتها مع الجزائر، فانقطع حبل الوصل بين الملك والعندليب، إلى أن بادر عبد الحليم بكتابة رسالة وصلت إلى الملك يوضح فيها براءته من تلك الوشاية .
والصداقة مع الملوك، كما يقول العمروسي: «لها بريق يخطف الأبصار. ولها ثمن قد يكلفك حياتك»!.
يكلفك حياتك، أو يكلفك موقفاً محرجاً، كذلك الذي تعرض له عبد الحليم وهو يزور المشير عبد الحكيم عامر في ذروة الأزمة مع عبد الناصر أعقاب نكسة حزيران 1967، ليصرفه أو ليوبخه الريس بعبارة: «روَّح انت». وفي الطريق، والحديث لمجدي العمروسي: «شاهدنا الدبابات تملأ الشوارع المحيطة بفيلا المشير، ودبابات أخرى في طريقها إليها. وعرفنا أنها نهاية الصداقة الطويلة العريضة التي ربطت بين الزعيم والمشير، ونهاية سلطة المشير وسلطانه».
كان عبد الحليم هو مطرب ثورة يوليو بلا منازع، وقد حظي برعاية خاصة من قائد الثورة في العديد من المواقف التي دعمه فيها، ومنها قصة الخلاف بينه وبين أم كلثوم بسبب حفلة أقيمت في نادي الضباط لمناسبة يوم الثورة تعرض فيها العندليب لمقلب من سيدة الغناء العربي، كما كان عبد الحليم واحداً من ثلاثة مطربين يجلسون على مائدة الرئيس في أعياد الثورة، بعد أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب، وله عشرات الأغاني الثورية والأناشيد الوطنية منذ قيام الثورة حتى رحيله في العام 1977، ومنها ما تم بثه من دار الإذاعة المصرية في اليوم الثاني لحرب حزيران، وخاطب فيها عبد الناصر: «ولا يهمك يا ريس ... من الأمريكان يا ريس»، وبعد ستة أيام لا أكثر على بدء الحرب احتلت إسرائيل غزة وسيناء والجولان والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
والأمريكان دائماً في الصورة بوضوح أو من خلف حجاب، على امتداد نصف قرن وأزيد من حياة العرب وإلى أن يشاء الله، فيما الجماهير تردد مع عبد الحليم حافظ «صورة .. صورة .. صورة .. كلنا كدا عايزين صورة .. صورة للشعب الفرحان تحت الراية المنصورة «.
و... «الشعب فرحان أوي» !
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.