مقالات مختارة

سياسية, اقتصادية, اجتماعية

لقد كنا سعداء.. ولكن!

قيم هذه المقالة
(1 Vote)
Print Friendly, PDF & Email
الكتاب : الاعمدة
المؤلف : د . طه جزاع

 

 

حدث ذلك يوم الخامس عشر من تموز العام 1955، حين اجتمع عدد من العلماء الأوربيين، يتقدمهم فيلسوف السلام الأشهر الانكليزي برتراند رسل، في جزيرة مايناو الواقعة وسط بحيرة بودنسي بين ألمانيا وسويسرا، بعد أن شعروا بالقلق والفزع من الوضع البشري، وسوء استخدام معطيات العلم في خراب الحياة وتعاسة الإنسان، وتواتر الأحاديث والتقارير عن تجارب القنابل الذرية والهيدروجينية، ومن هناك أطلقوا نداءً جاء فيه: «لقد كنا سعداء لأننا كرسنا حياتنا خدمة للعلم، لأننا نعتقد أن العلم طريق لسعادة البشر، بيد أننا فزعنا عندما تحققنا أن هذا العلم ذاته يمد الإنسان اليوم بكل وسائل تدميره».
وتقف البشرية اليوم أمام مفترق طرق خطير، وخيار صعب بين الفناء أو البقاء، فقبل أن يستفيق الإنسان من كابوس وباء كوفيد -19 الذي أفسد حياته وهدد وجوده، ها هو يدخل في كابوس جديد أكثر رعباً بسبب الحرب المفتوحة الدائرة حالياً بين روسيا وجارتها أوكرانيا «البوابة الشرقية للأمم الأوروبية»، وبغض النظر عن أسباب هذه الحرب أو العملية العسكرية وفق التعبير الروسي، وعن المواقف الدولية والشعبية منها، نصرة لهذا الطرف أو ذاك، أو حياداً بينهما، فإن أخطر ما فيها أنها أعادت طرح الأسئلة التي كانت تقلق العالم منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية قبل ما يقرب من 77 عاماً بعد مأساتين لطختا وجه العالم في هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، تلك الأسئلة التي طُرحت بقوة أيضاً بعد أزمة الصواريخ السوفيتية بداية الستينيات من القرن الماضي أيام الحرب الباردة: هل ستقوم الحرب العالمية الثالثة، وإن قامت هل يلجأ القادة السياسيون والعسكريون إلى خيار استخدام الأسلحة النووية، وهل سيكون ثمن ذلك فناء الجنس البشري؟ وغير ذلك من الأسئلة التي تعبر عن مخاوف البشرية وهي تشعر بأنها تقف على حافة الهاوية.
لم يَجمع أولئك العلماء الذين عبَّروا عن فزعهم جامع، فهم من دول عديدة وعقائد ومذاهب سياسية متباينة، لكنهم يشتركون في أمر واحد أنهم حائزون على جائزة نوبل كلاً حسب اختصاصه العلمي وجهوده في خدمة البشرية والسلام العالمي. ويحدثنا برتراند رسل في آخر كتبه الذي صدر وهو على مشارف التسعين من عمره الذي امتد إلى ما يناهز المائة عام، وحمل عنوان «هل للإنسان مستقبل» عن ذلك الاجتماع، فيقول محذراً: «إن قراراً دولياً بحظر التجارب النووية الآن ممكن لنزع السلاح تماماً وإلغاء الأسلحة النووية إلغاءً تاماً وتجنب حرب نووية، الشيء الذي لو حدث لكان كارثة على البشرية كلها». ويشير أيضاً إلى اجتماع الاتحاد البرلماني العالمي الذي عقد في شهر آب من العام نفسه بمشاركة أربعة ممثلين عن الاتحاد السوفييتي آنذاك، ولم يكن كل الأعضاء من نواب البرلمانات، فقد كان بينهم العالم والنفساني والفيلسوف، واستهل ذلك الاجتماع بمقترح يدعو حكومات العالم الى أن تحقق، وان تعترف علانية أن أغراضها لا يمكن تحقيقها بواسطة الحرب العالمية، لأنه في أي حرب قادمة ستستخدم الأسلحة النووية بالتأكيد، مما يهدد الجنس البشري برمته.
أتريد أن تقول يا لورد رسل إن نشوب حرب تستخدم فيها القنبلة الهيدروجينية ستكون حرباً لا منتصر فيها؟.. يجيب رسل في كتابه «العالَم كما أراه» إجابة لا تخلو من طرافة ومبالغة وسخرية: لا منتصر فيها على الإطلاق! اللهم إلا إذا كان لديك تعريف جديد للانتصار.. وبطبيعة الحال ربما بقي على قيد الحياة ستة أشخاص في المعسكر الغربي، وأربعة في روسيا، وأربعة في الصين، مما يجعل للكتلة الشرقية الأغلبية الحقيقية.. ولكَ عندئذٍ أن تسمي هذا انتصاراً!.
ما أشبه الليلة بالبارحة.

القراءات 55 مرة

اترك تعليقا

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.

Image

للتحدث معنـا

عـدد الـزيارات

مجموع الزيارات للمــوقع 67324

حاليا يوجد one guest ضيوف على الموقع

Kubik-Rubik Joomla! Extensions