عندما تكثر الصور في الشوارع
كُنّا صغاراً إذ نستمعُ لهذا:
(زيّنت جداريةٌ تحملُ صورةً للسيد الرئيس القائد صدام حسين حفظه الله ورعاه واجهةَ مبنى قائممقامية (كذا)، وأزاح الستارَ عن الجدارية الرفيق (فلان)، عضوُ القيادةِ القطريةِ للحزب)..
هذا النص كان يُقرأ يومياً مرتين أو ثلاثة ببرنامجٍ اسمُهُ (جريدةَ المساء) تعرضهُ قناةُ العراقِ العامة في عهدِ صدام، وهو برنامجٌ يوميٌ بائس يُعرَض في الساعة السابعة عصراً، الجداريات تُفتتح بواقع اثنيتين أو ثلاثةٍ أو أكثرَ يومياً في كُل العراق، حتى غصّت شوارعُ البلادِ بها.
لكن، متى كانَ هذا بالضبط؟
في نهاية التسعينات وبداية الألفينات.
ولمَ؟
لأنَّ السلطةَ حينما تضعُف من الناحيةِ الأمنية وتتضعضعُ سيطرتَها وأركانَها وأدواتَها للحُكم تبدأ بمحاولةِ ترسيخ فكرةٍ بذهن الناس، مفادُها:
إننا هنا، لازلنا، نظهرُ بكلِّ مكان، هذهِ جداريتُنا هنا، وتلكَ هناك، لا زلنا بقوتنا.. وهكذا.
أما في أيامنا هذه..
فكلما جائني صاحبٌ من بغداد سألتُه هذا السؤال:
يا فلان، كيف تركتَ بغداد؟
فيجيبُ جميعُهُم جواباً واحداً: غارقةً بصورِ (فُلانٍ وفُلان)، وخيرٌ لكَ ألّا تراها..
فأقول: يا صاحبي، إنّي لأفرح لهذا، لأن معناهُ أن (فُلاناً وفلانَ) هؤلاء لم يعد وجودهما الروحيّ كما كان بالأمس، وأن الفكر الذي كانا يحملانه، ويحمله بعضُ أتباعِهِما اليوم، لم يعُد صامداً كما كانَ من قَبل، ولمّا وصلت الأمورُ إلى الإكثارِ من نشرِ صورِهِهما فذا معناهُ أنّ ما كانا عليهِ إلى زوال.
ثم أساله:
يا فلان، وكيف تركتَ الناس؟
فيقول: ناقمون على الصورِ واهلِها..
فأقول: أما قلتُ لك؟
فما أيامهم إلا عدد...
#دورةُالأياموالسنين
#رسلي_المالكي
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.