يكره العراقي العمل، ولا يحبه، وهو تمبل من يوم يومه..
فهو يعشق عبد الكريم قاسم لأنه خلصه من العمل المضني، فالدولة العراقية كانت لا تعتمده كمسؤول فيها إذا لم يكن قد عمل بجد وحصل على أعلى المراتب الأكاديمية، وكانت تجعل الفلاح يعمل بكدح لزيادة الإنتاج، ويكدح العامل في المصنع، ويعمل المعلم والموظف بمنتهى الجد والإخلاص، والنتيجة:
نقلت الملكية العراق من بلاد تعيش في القرون الوسطى تحت التخلف العثماني لأربع قرون إلى بلاد وضعت قدمها على طريق العصرنة والحداثة، ولو بقيت لعقدين آخرين لكانت في حالة مختلفة تماماً، ولأنتجت جيلاً من الكتعلمين على نظام العمل المنتج..
لكنه يحب الخمول والأكل والوصوصة، لذا اختار أن يطبل للجمهورية الخالدة، تلك التي علمته على الثروة النفطية وتأميمها، وعلمته على (سنة الزحف بدون رسوب)، والتخلص من الإقطاعيات المنتجة، وتعيين الفلاحين كشرطة وموظفين يتقاضون راتباً جاهزاً، فتحولت البلاد من مُصدّر للمحاصيل الزراعية إلى مستورد، وبارت الأراضي، وزحف الريف على المدن، فانهار الريف وانهارت المدن!!
ومنذ ذلك اليوم، يطالب العراقي الدولة بالراتب ويعتبره حقاً عليها بلا أي مقابل، فقط لكونه يحمل جنسية عراقية، تعيينات، رعاية اجتماعية، تخصيصات، مناشدات، مجانية الخدمات البلدية والكهرباء والماء وغيرها، وفي حال لم تضع الدولة يدها في فمه سينقلب عليها، وهنا فالفرد ينعم بالمجانية في الخدمات والرواتب بلا مقابل، فيما ترزح الدولة في حالة فقر مستمرة وتتعلق حياتها بأسعار النفط.
حزب البعث سار على خطى عبد الكريم الاشتراكية، وأكمل سلسلة الفشل، وزاد عليها وضع العراق العسكري والحروب المتلاحقة، ثم جاءت طغمة المنحطين الأوباش فحولوا الدولة إلى (عربانة نفط دولية)، تبيع النفط وتتقاسم الوارد وتعطي الباقي للشعب بدون مطالبته بإنتاج أيضاً، ناهيك عن عسكرة المجتمع واختراع جهاز رديف للعسكرة الموجودة أساساً يدعى الحشد الشعبي!! فيما يكدح المواطن الأمريكي ليل نهار ليعيش، خالقاً دولة عظيمة تدعى الولايات المتحدة، وكذلك الصيني والكوري والياباني والأوربي وغيرهم!!
إلى اليوم، يعيش العراقي على صدى خطابات عبد الكريم قاسم التي تتحدث عن الثروة والتأميم، فهو يعتقد بأنه يملك مالاتملكه الدول المتقدمة، وهو النفط، دون أن يتعب مخه (الصدىء) بالتفكير بأن ولاية أمريكية واحدة من أصل خمسين تربح أضعاف ما يربحه العراق من عائدات النفط سنوياً!!
ونتيجة لكل ماسبق، لا يوجد عراقي واحد محترف في عمله بمستويات قياسية دولية وقادر على العمل ضمن مؤسسة احترافية، بل أن هناك وظائف لو احتجتها ونفضت العراق بكامله لن تحصل على فرد واحد قادر على القيام بمتطلباتها، فقد طمَر النفط القدرة العقلية للفرد، وحوله إلى دجاجة تقتات على فتات براميل النفط، دون أن تقدم بيضة واحدة سنوياً!!
لو تحول العراق إلى الرأسمالية التي تقدم له ٢٠٠ مليار دولار سنوياً لكن مقابل جهد ومثابرة وتعلّم مستمر لانتفض رافضاً، عيشني بربع المبلغ وأعطني تقاعداً ودعني أنام، هذه هي عقليته، المهم أننا بلد نفطي!! وقد نسي أن فنزويلا تمتلك ضعف احتياطي العراق من النفط (العراق ١٢٥ مليار برميل، فنزويلا ٢٥٠ مليار برميل) فيما الفرد الفنزويلي طايح حظه وصبغه، بينما دولة مثل كوريا الجنوبية لا تمتلك النفط، لكنها من أكبر منتجي التكنولوجيا والصناعات في العالم!!
أذكر أننا في كلية الآداب (الانكليزي) وقد بلغنا المرحلة الرابعة، ولم يبق للتخرج سوى بضعة شهور، طلب أحد الأساتذة من أحد الطلبة أن يقرأ من الكتاب، أجاب الطالب: (استاذ نقصني درجة ولتخليني اقرا لأن ماكدر) هذا الطالب الذي لا يستطيع قراءة مكتوب انكليزي تخرج لاحقاً بشهادة بكلوريوس في الأدب الانكليزي، وتخيل أن له الحق في فتح مكتب ترجمة قانونية الآن، وأي ترجمة (حجي راضيّة) سيترجم في المخاطبات الرسمية!!
وهكذا بالنسبة للمحامي والمهندس والفيزيائي ووو..
عنده نفط، دعه يتخرج، وستحير الدولة بمستقبله!
العمل، ثم العمل، أو الفقر والفشل وطيحة الحظ..
الصورة: الفرق بين الاشتراكية والرأسمالية.
#رسلي_المالكي
___________________________________________