وجاء في الأثر..:

حدّثَنا عوانةَ ابن الأشعث فقال:

كنتُ أرتحلُ عن بغداد لما سامها من الوجوه الشنيعة، ومن أسافل الحُكّام الوضيعة، وبينما أنا على راحلتي، وسارت قافلتي، ارتأى القومُ أن نبيت ليلتنا بالدياجي، في قفراء تُدعى بالتاجي، وبينما نحن ندقُ الأوتاد، ونُسندُ الخِيَمَ بالعماد، سمعتُ أعرابياً يُنشِدُ ويقول:

وقد طفنا المدائنَ في قُراها..
وسرنا (نيسَبور) وما تلاها..
وذقنا الزاد في (الإستانة) حلواً..
وبتنا في (الرياضِ) على هواها..
فما همٌ بلى في الروحِ تعساً..
ولا ضيقٌ على نفسٍ كواها..
سوى حيثُ النمارقَ قد أقرَت..
لحكمِ الدونِ في أرضٍ سواها..

فعلمتُ بأنه يقصدُ بغداد، وحكّامها ممن أضاقوا على الناس الزاد، ولفعوهم بالهمِّ والسواد، فسرتُ لهُ سريَ الفُضول، وأنختُ له نواخَ العَجول، ثم سألته وقد تكلكل الليل، وظلّت الأظاليل: ما دفعك لهجرها؟

قال: قومٌ كالجراد، يأتون موسم الحصاد، فيُغيرونَ على زادِ الناسِ أسرابا، ولا يدعونَ أكلاً ولاشرابا، رجالهم قبح، ونسائهم كلح، فهم كالقط إن أكل قيراطاً كان وزنه قيراطاً، وإن أكل مثقالاً كانَ وزنهُ مثقالا..

قلتُ له: فمن كبيرُهُم؟
قال: حاكمٌ اسمهُ من النور، وهو من بني مالك، يشفطُ الملياراتِ شفطا، ولايدع غازاً ولا نفطا، فكَرٌ كَصته، عظيمٌ غباءه، كبيرٌ مكره، قبيحٌ رياءه، ومن بقيَ تحت حنكتهِ ونبغه، طاحَ حظَهُ وصبغه.

فعلمتُ أنه يقصد به صاحب الأنف المنخور، والمنطق المسعور، فسألت: وما ستفعل؟

فأخرج من حزامهِ طخماخاً، ولهُ من القارِ انتفاخا، ثم أنشد يقول:

إذا هوى هذا على هذاكا..
وطقَّ خشمٌ طالما بلاكا..
فواللذي من علَقٍ سوّاكا..
ارى دماهُ مثلَما أراكا..

يقولُ عوانة: فاستعظمتُ أمره، واستعجبتُ بلاغته، واستحلفتهُ أن يخبرني عنه، وأن يطلعني على وجهه، فأماط اللثام، وأعاد الطخماخ للحزام، فتمحصتُ فيه، وتفرستُ وجهه، وإذا به والله شيخي #حطامةبن الأغبر، ولما سألتُهُ عما أرومُ فعلهُ قال:

حُم أين حُمتَ فلن تجد..
للنفسِ موضعَ هالكِ..
إلا بحكمِ شنيعةٍ..
وبحزبِ نوري المالكي..

لبديع الزمان
#رسلي_المالكي

___________________________________________