حطامة ودولارات محمد شياع السوداني
حدّثنا عوانة ابن الأشعث قال:
كنتُ أتزودُ من سوقٍ ببغداد، وقد غشي الليلَ السواد، فشحّ في جيبيَ المال، وتذكرتُ جوعَ العيال، فذهبتُ لبقالٍ كثُر مايبيع، وامتلأت بسطتهُ باليانعِ الرفيع، فقلتُ له:
رجلٌ شحَّ عليهِ مالُهُ..
ولهُ في بيتهِ عيالُهُ..
كيسهُ من لقمةٍ لم يمتلي..
جُد لهُ يدعو إليكَ حالُهُ..
يقول: فقال البائع: أو أدلكَ على أوراقٍ خُضرِ، كوريقاتِ الزهرِ، وهي من فئةِ المئة، عطرُها يُشفي الرئة، عليها صورةُ الأصلع، كل من ملكها استمتع، تسرُ الناسَ إذا تُطبَع، وتسئمهم إذا تُرفَع؟
فعلمتُ بأنه يقصدُ الدولار، فهو إن أمسِكَ طار، وإن استُنجِدَ أجار، فقلت: بلى!
قال: أم أدلكَ على خِلَعٍ حُمرِ، معجوناتٌ بالزهرِ، مكنوناتٌ بالأوراق، مُحمرّاتٍ كالشفقِ بالآفاق، على ظهرهنّ صورةُ الشريعة، وعلى وجوههنّ فلاحةٌ رفيعة، إن أصبتهنّ اغتنَيت، وإن لم يصبنَكَ فقرتَ وخَويت؟
فعلمتُ أنه يقصدُ عُملة الخمسة وعشرين، فهنّ إن أصبنَ أغنَين، وإن جزينَ أخْوَين، فقلت: بلى وربك!
قال: أم أدلكَ على بيضٍ رماديات، كأنهن الصبح والعشيّات، يحملن على وجههنّ النواعير، وعلى ظهورهنّ دورَ الأهاوِير، بهنّ جرةٌ من طين، وشلالٌ من مَعين، إذا أصبنَ أشفين، وإذا أخطأنً أبلَين؟
فعلمتُ بأنه يقصد عُملةَ الخمسين، فهنّ إن مُلكنَ ابلغن، وإن فُقِدنَ أقعدن، فقلت: هداك الله قل لي فأرحن، وخبّرني فأملكن!
فقال البقال: فامض معي، فما يأتينكَ إلا بالجدّ والسعي، وركب بغلةً كانت خلفَ بسطته، وأركبني وراءه فوق بغلته، وسار بنا حتى بلغنا دار الحكومة، فدخلنا على ظهر (ضيّومة)، ومازلنا عليها حتى دخلنا على شياع، وهو يقف بين المال كالمتاع، فشدّ البقالُ على البغلة، واقترب بها منه على المهلة، ثم أخرج من لباسهِ طخماخاً، وشج به رأس شياع وبّاخا، ثم حملَ من المالِ ما حمل، وجعل منه على أكتافنا مما جعل، وتركناهُ على حاله، بين دولاراتهِ وأمواله..
فاستعجبتُ جرأته، واستروعتُ حكمته، واستحلفتُهُ أن يعرّفني به، وأن يصارحني بأمره، فلما أزال لثامه، وأعاد طخماخهُ وشد حزامه، وإذا به والله شيخي #حطامةبنالأغبر، وقد تلثم فاستنكر، فسألته عما فعل، واستوقفتهُ عن العجل، فقال:
دع للجراءةِ منكَ عُمرا..
واضرب على السُرّاقِ دهرا..
ما قد أخذناهُ يساوي..
من جلدةِ الخنزيرِ شَعرا..
لبديع الزمان
#رسلي_المالكي
___________________________________________
معلومات إضافية
- عودة: العودة الى مقالات رسلي
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.