في نبذ الفراغ والانشغال بالعمل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ..
أما بعد..
فإن الفراغَ لمهلكةٌ للنفس، مَقتلةٌ للصحة، غوايةٌ للروح، وإن وقتاً فضى به المرءُ وهو في حاجةٍ لاستغلالهِ ولم يفعل إنما قد سرقَ نفسه، فرفيقُ المرءِ انشغاله، وإنسهُ عملُه، وإنما راحةُ الأبدان في عدم الراحة، وراحة العقول في الانشغال بما ينفع المرء، ويفيد الخلق، ويدفع الأذى، ويقرب الخير، فمن لم يجد لهُ في ساعةٍ فرغَ انشغالاً فليتعلم، ومن لم يجد ما يتعلمه فليؤدب نفسه، ومن عز عليهِ تأديبُ نفسه فقد استكبر.
وإن العمرَ ليجري جريان الماء، ولا يُلحقُ كالريحِ والهواء، ومن ترك وراءهُ علماً صالحاً، أورأياً جامحاً، أو ذكراً رابحاً، فقد ربح نفسه، وترك ماهو خيرٌ من ذريته، ومن ترك وراءه ذُريته وقد عكُرُ ذكرُه، وساءت تركتُه، وقبحَ أمره، فقد خسر نفسهُ وذريته، وإنما وقتُ الفراغُ خير ما يستغله المرءُ بالاستفادة، وإن كان مستفيداً فالاستزادة، وإن كان مستزاداً فتهذيبُ نفسه، فإن كان الشغلُ مجهدة، كان الفراغُ مفسدة.
واعلموا، بأن العلم لا ينضب فالحقوه، وإن العمل لا يتمُ حتى تدركوه، وما خسرَ المرءُ من زمانهِ في خير إلا وردَّ عليه خيرا، واحذروا الجدال، فهو منغصُ للنفوس، معكرٌ للأيامِ والأموس، "وإن العاجزَ من عجزَ عن سياسةِ نفسه، والعاقلَ من اعتبرَ يومهُ بأمسه".
ولا يخسرنَّ الرجلُ منكم دنياهُ لأنه ظنَّ أنه في خسارتها ربَح الآخرة، ولا يخسرن الرجلُ منكم آخرته لأنه ظنّ أنه بخسارتها ربَح الدنيا، بل اربحهما واخسر خسارتهما، وانتهج لك نهجاً يسيرهُ لك عقلٌ وضعه الله في رأسك، وهو الذي أوحى لك فهداك، ودلك وما نساك، وأنزل عليك حكمته، وأبعد عنك تهلكته، وفتح لك بابه، وأعد لك حسابه، ورزقك من كل طيّب، وأبعد عنك كل خبيث، وكان أقربَ إليك من حبل الوريد.
واتقوا الله في ثانيةٍ مرت وقد ظهر منكم الخبيث وطُمس الطيّب، وإن أسرع ذلك للظهور هو سوء الأدب، فإنما اللسانُ لا يمسكهُ إلا فارسٌ جلِد، وإن الظنونَ لا يُحسنها إلا قلبٌ صلِد، وإن امرءاً ظن أن سوء خلقهِ بين الناس سيبدو لهم فيه قوياً فإن أشر خلق الله من خشيهُ الناس اتقاء لسانه، وكن كما أنت في سراءك وضراءك، وتوكل على الله، "ومن يتوكل على الله فهو حسبُه، إن الله بالغٌ أمره، قد جعل اللهُ لكلِ شئٍ قَدَرا"..
أقولُ قولي هذا وأستغفرُ الله لي ولكم..
والسلامُ على الهادي البشير..
#رسلي_المالكي
___________________________________________
معلومات إضافية
- عودة: العودة الى مقالات رسلي
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.