في كثرة الخلفة، وسوء التربية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ..
أما بعد..
فإن الكثرة بالعدد على فسادٍ لعار، وزيادة الخلق وهو في انحطاطٍ لمنقصة، وقد كثرتم وتزايدتم وليس في كثرتكم من خير، حتى طغى في الناس من خلفتكم الفاسد الوضيع، واعتكف ذو الخلق والرفيع، فنثرتم بذوركم الضالة، وأفشيتم أخلاق ولدكم القذرة، فأصبح الإنحطاطُ سمة الأجيال، والفراغُ صورةَ الأبناء، فترى بعض أبناءكم من الذكور كالبهائم التائهة، وبعضهم من الإناث كالسلع الرخيصة، لا فكرَ ولاعقلَ ولا تدبير، لأنكم أوضعتم في التربية، وسرتم وراءَ عمائم الجهل، وألهتكم الدنيا عن نسلكم، وشغلتكم أنفسكم عن ذراريكم، وما المرءُ إلا ما تركَ من الأبناء، وما ترحمت له الناس على ما ذَرى من أخلاق، وهذا ما إلتم إليه.
وها ما نراه مما تركتم في بعض خلفتكم الدنيئة، وبعض عوائلكم المنحطة، شبابهم عارم، ولسانهم فاضح، ورأيهم فاسد، وأسلوبهم وضيع، وذاك نتاج ماربيتموه وما لم تربوه، حتى ترى الفتى لا هم له إلا أن يتكاثر فينتج أسوأ مما أنتجتم، ولا الفتاة لا هم لها إلا أن تدع لحمها تتناهشه الشهرة، طمعاً فيمن كثر مالهُ وقل عقله، وما سيكونُ ما ستخلف غير ماهو أشد رداءةً منها ومن أبويها، وأشد فساداً منها ومن بعلها، وإلى ذلك، تكاثر الطلاق، واشتد الفساد، وضاعت الذرية، وتاهت النفوس، وتحجرت القلوب، وإن طفلاً ولدتموه بمثل هذه الناس ليكون أشد شراً، حين يرى الفساد يحيطه من كل جانب، والانحطاطُ يقيدهُ من كل اتجاه، فيقوي شوكته في الفسادِ والإفسادِ لينجو..
أنبؤوني عن رجلِ دينٍ دلكم على إصلاحِ أخلاقكم فلن تروا، وعن معممٍ أدانَ فحش اللسان فلن تجدوا، همهم الكثرة، وديدنهم الفسادُ بالفطرة، يسبون على المنابر فعلموكم السباب، ويشتمون الأوائل فعلموكم شر الجواب، لسانهم قبح، ووجوههم كلح، يزينون للناس سوء الفعال فأضلوهم، ويبروون لهم شر الكلام فعلموهم، وما المرءُ إلا بعقلٍ خلقه الله له، فإن سار وراء هؤلاء على غير هديٍ من عقله فقد وجد نفسه في مستنقع الغي، وغياهب الضلال، فلم يذكروا لكم أن الدين معاملة، وأن أكرمكم عند الله أتقاكم، وأنما محمدٌ قد بعث ليتمّم مكارم الأخلاق، بل أخبروكم عن حقٍ في خلافةٍ دارسة، وسلطةٍ مندثرة، وقصصٍ موهومة، وأساطيرَ لم تغنِ في الأخلاقِ في شئ، ولم تسمن في العقول في شئ.
أيها الناس، لا تَناسلوا ولا تَكاثروا وأنتم لا تعدون العدة للتربية، ولا تزاوجوا وأنتم لا تجدون في أنفسكم الغيرة على الغير من ذراريكم، فإن المرءَ ليُشتَم بذريته إن فسدت، فيسبُ الرجلَ أبن الرجلِ وأباه لأذاهُ على الناس، وإنه ليُترحم عليه بذريته إن صلحت، فيُترحم على المرء وأباه لصلاحهِ في الناس، وإن لا منجزَ في حياتكم أهم وأجلَ وأصلحَ من أن تنجزوا خلقَ أبناءكم على الصلاح، فقد غرقت الأمة في الفحشاء، وسارت إلى هاويةِ العداوة والبغضاء، وإنما ذاك بسبب سوء التربية، وفساد الألسن التالية، وقذارة الآذان السامعة، واعلموا، أن ربكم لم يُنزّل أنبياءه إلا ليجعلوا الأمم في خيرٍ من نفسها، وليحميها من شرور أبناءها، فمن لم يفهم رسالة النبيين، وتضحية الشهداء، وكلمات الصديقين، فلا شأن لله بصومه ولا بصلاته.
وتذكروا قول الله تعالى: "هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته وُزكيهم ويعلمهم الكتاب و الحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبين"..
وانظروا بعد هذا ما أنتم فيه من الكتاب والحكمة، وليجزين الله من أضلوكم ما يستحقونه من الجزاء، ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره..
وتذكروا ماقاله نبيكم في خطبة وداعه، إنما المؤمنون إخوة، ولا يحل لامرئ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه، فلا ترجعن بعدي كافراً يضرب بعضكم رقاب بعض، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله اتقاكم..
والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
#رسلي_المالكي
___________________________________________
معلومات إضافية
- عودة: العودة الى مقالات رسلي
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.