في وصية حطامة لعادل عبد المهدي
مرضَ حطامة ابن الأغبر يوماً لما رآهُ من حال العراق، فكان ان زار الناس بيتهُ ليعودوه، وفي يوم مرضه الثالث، وبعد صلاة المغرب، زاره الحاكم بأمر الله عادل عبد المهدي، ولما دخل على حجرته وجد عنده زوجته المكرودة بنت المظلوم، فألقى التحيةَ عليهما، وردت المكرودة بأحسن منها، إلا ان حطامة أمال بوجهه عنه.
ولما جلس عبد المهدي عن رأس ابن الأغبر قال له:
يبنَ الأغبر، أتُمل بوجهك عني؟
فقال حطامة: ولأميلنَّ ما حييت.
فقال عبد المهدي: وفيمَ ذاك؟
وكان حطامة مستلقياً فاتكأ وقال:
يبن المهدي، العدل عدلان، عدلُ المراءاة، وعدلٌ يبتغى به وجه الله، فأما عدل المراءاة، فهو لطمك على ضحايا العبّارة، وحزنك على غرق البصرة والعمارة، وأما عدل يبتغى به وجه الله، فهو أن لاتهدم دار متجاوزٍ إلا هدمتَ دار سياسيٍ متجاوز، وأن لا تغرمَ صاحبَ عيالٍ الا وقد غرمتَ من سرق مال صاحب العيال، فإنك إن مديتَ عنقك لشعبك اشرأبت لك الاعناق، وإن مديت لهم بالرزق مد الله لك بالعافية والارزاق.
يبنَ المهدي، اياكَ وظلم من لا يجد عليك ناصراً الا الله -قالها ثلاثاً- فإن العدلَ أساسُ ملكك، وإن الظلمَ ليهوينَّ بك، فأن افلتت ناصيتكَ من الأرباب فلن تفلتَ من رب الأرباب.
يبن المهدي، وقد بلغ الظلمُ منتهاه، ورقي الظالمُ مرتقاه، وحشرت الدموع في الاجفان، ولُملِمَ العدلُ في الأكفان، فلإن استمر حكمك لا يفرقَ بين الظلم والحق هويتَ إلى سقر، وما ادراك ماسقر، لواحةٌ للبشر، عليها تسعة عشر.
فبكى الحاكمُ بأمر الله عادل عبد المهدي حتى ابتلت لحيته، وجعل ينشق بكاءاً لم ينشقهُ في حياته، ولما فرغ منه قال:
يبن الأغبر، هل أتاك حديثُ الصبات؟
فنظر له حطامة وقال: كوم اطلع برا.
لبديع الزمان
#رسلي_المالكي
___________________________________________
معلومات إضافية
- عودة: العودة الى مقالات رسلي
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.