الغرفة 619
المؤلف : د . طه جزاع
عُرف عن أستاذ الفلسفة المصري الراحل أحمد فؤاد الأهواني الذي ودع الحياة مبكراً سنة 1970 بالتنوع في اهتماماته العلمية وغزارة نتاجاته الفلسفية، وكان أيضاً كثير الاهتمام بموضوعات وميادين علم النفس ومشكلاته وأصدر فيها كتباُ عديدة، لكنها لم تأخذ حظها من اهتمام الطلبة والقراء مثلما حظيت به كتبه الفلسفية التي لا غنى عنها في المكتبة الفلسفية العربية المعاصرة . ومن تلك الكتب النفسية المهمة كتاب « النسيان» الذي بحث فيه أصول هذه المشكلة التي تظهر عادة عند الشيخوخة أو ربما قبلها عند الكثير من الناس حتى لو كانوا في سن الشباب، مستعرضاً آراء العلماء والأطباء والفلاسفة وكيفية تفسيرهم لها بحسب نظرياتهم العلمية والفلسفية، ولا ينسى الأهواني أن يختتم كتابه هذا بجملة توصيات وقواعد لتدريب الذاكرة وتحسينها .والنسيان كما يؤكد الطبيب والمعالج والمدرب الإنكليزي ديفيد هاملتون، وهو أحد أهم الاختصاصيين في معالجة النسيان وفقدان الذاكرة، أمر طبيعي لأن ذاكرة الإنسان تضعف كلما تقدم في العمر، وان ذلك يمثل جزءاً من التدهور العام الذي يصيب الأعضاء كلها، لكنه يوضح أن ذلك يختلف عن الإصابة بمرض « فقدان الذاكرة « الذي يصيب نسبة كبيرة من المسنين وبالأخص الرجال الذين قد يصل بعضهم إلى مرحلة نسيان طريقة ربط خيط الحذاء، أو نسيان السياقة، وهذا يدل على ان ذاكرتهم قد فقدت المعرفة المخزونة حول هذه العمليات وإنها أصبحت في مرحلة الصفر، لكنه لا يتطرق إلى فقدان الذاكرة عند النساء إلا في حالة واحدة فقط حين عرضت عليه مريضة نسيت نفسها، وعندما رأت يديها صرخت: هذان اليدان ليستا لي! .ويخلص هاملتون في كتابه « الاستشفاء البدني بالعقل والروح « إلى نتيجة مفادها إن الحب طاقة تصنع المعجزات، فهو يشفي أمراض الجسد والعقل والروح، ويخفف من الضغوط النفسية والهموم الحياتية، ويشفي تماماً الشعور بالقلق والزهق والخوف والفزع والإحباط والشقاء النفسي، ومن أجل تأكيد هذه القدرة العجائبية للحب، يحكي أحد أطباء النفس العرب قصة حقيقية استمع لها أثناء زيارته لمستشفى جامعة ستانفورد بولاية سان فرانسيسكو الأميركية، حيث أدخل المريض ستيف باركر 65 عاماً الغرفة رقم 315 في المستشفى وهو يعاني من أعراض الألم والتعب والوهن وفقدان الوزن والشهية، واحتار معه الأطباء وجربوا معه مختلف أنواع العقاقير والمقويات والمنشطات لكنها لم تنفع في علاجه. كان الرجل قد وصل إلى مراحل المرض النهائية، ثم حدثت المعجزة حين وصلته رسالة حب من مريضة ترقد في الغرفة 619، فدّبت الحماسة في عروقه وتحسنت شهيته، وزاد أمله يوماً بعد آخر برؤية هذه المريضة الحسناء كما وصفت نفسها، واستعاد طاقته وقوته بمرور الوقت، إلى أن حان يوم خروجه من المستشفى ليسأل عن المريضة في الغرفة 619 فأخبروه انه لا توجد غرفة بهذا الرقم لأن عدد غرف المستشفى كلها 400 غرفة فقط . ونجحت حيلة الممرضة كارول سايمون في بعث طاقة الشفاء الوهمية بقصة الحب الخيالية !.لابد من التنويه إلى ان معظم التقارير الطبية العلمية تؤكد بأن الرجال والنساء معرضون لمرض النسيان وفقدان الذاكرة بنسبة متساوية تقريباً، وانه لا فرق بين الرجل والمرأة في الإصابة بهذا المرض، لكن مرض الخرف يصيب الرجال أكثر من النساء، وبالأخص أولئك الذين يبلغون أرذل العمر، لكنهم يشعرون بأنهم مازالوا في سن المراهقة، وأنهم قادرون على الاستمرار في حيويتهم إلى النهاية ،قبل أن يخطفهم الموت فجأة بارتفاع الضغط وانسداد الشرايين، وبالتالي الإصابة بإحدى الجلطتين القاتلتين الشهيرتين القلبية أو الدماغية، أو الأثنين معاً .
لا غرابة في ذلك، انهم يستمدون حيويتهم وأملهم من طاقة الحب العجيبة على الشفاء والبقاء، وقد يستلم بعضهم رسائل من أرقام غرف وهمية، مثل الغرفة 619 في مستشفى جامعة ستانفورد .
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.