في تدبر أمر الحكم واختيار الحاكمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ..
أما بعد..
فإنّ الله سبحانهُ لمّا خلقَ الجبالَ فإنما أرادها أن تكون للأرضِ أوتادا، ولمّا خلق الشمس فإنما أرادها لها سراجا، ولما خلق النجم فإنما أرادهُ لها دليلا، ولمّا خلق الطير والوحش والدوابَ فإنّما أرادها أن تسبّحهُ طويلا..
وقد قال سبحانه: (لا الشمسُ ينبغي لها أن تُدركَ القمر، ولا الليلُ سابقُ النهار، كلٌ في فلكٍ يسبحون)، وقد عنى بذلك أن لكل شئٍ وظيفتهُ وعمله، إن انصرف إلى غيرهِ فشل وأفشلَ غيرُه، وانهارَ نظامُ السماءِ والأرض، وإلا كيف ترونَ إن بنينا بيوتنا على البحرِ واصطدنا من البر؟ فما زال ذلك مستحيلاً لأن الله قد جعل لكل شئٍ قدرا..
أيها الناس، أنّ ما أنتم فيه من الخرابِ هو لأنكم وضعتم مَن واجبه غير الحُكمِ في الحكم، ومن واجبهُ غير إمارة الجيشِ في إمارتها، ومن واجبهُ غير إمارة العسسِ في إمارتها، فلبئس الآمرِ والمأمور، أفتولونَ قوماً لو وليتموهم على زريبةٍ لنهبوها.. إمارةَ البلاد؟ ورقابَ العباد؟ وضعتم بين أيديهم أموالكم، وقلدتم نجادَ سلاحكم في رقابهم، وهم بالأمسِ لم يكونوا إلّا قيعة القوم، إنما مَثَلَكُم كمَثَلِ رجلٍ جاء بعبدٍ كانَ يُطعمُ دوابه فأعطاهُ سفينةً فيها ألفَ دابةٍ ليعبر بها بحر الظلمات، ولما سارَ بها أغرقها وغرقَ معها وأغرق مافيها.
اعلموا أن العملَ للعامل، والزرعَ للزارع، والشحاذة للشحاذ، والسرقةَ للسارق، والوزارةَ للوزير، والحكمَ للحاكم، والقيادةَ للقائد، والرياسةَ للرئيس، فإن تبدلَ منهم أحدٌ مكانَ أحد غرقت سفينةُ العبد بما فيها، وذلك مثَلُكم، حين استوزرتم الشحاذ، وانتخبتم الفلاح، واخترتم طاعة قاطع الطريق، وسرتم وراء راعي الغنم، وجئتُم بأسافل القوم إلى أعالي المناصب، وهويتم بأهلِها إلى ماهم ليسوا أهلَه.
إن البلاد لتسيرُ في الصواب حين يكون كُلٌ بمكانه، فقومُ الزراعة لها، وقومُ الحصادِ له، وقومُ الرعي له، وقومُ الحكمِ له، وإنّ تبديلاً بدلتموهُ من عشرينَ عاماً هوى بلحاياكم إلى الذل، ورمى برؤوسكم إلى الطأطأة، وأنزل هيبتكم إلى المسكنة، وأفضى بمالكم إلى السرقة، ذلك أنكم عبثتم بمقدراتٍ خلقها الله في الناس، بعد أن وضع سراً خصهُ لكلٍ من خلقه فتجاوزتموه، وسيّدتم على أنفسكم من هو ليس أهله.
وليدرك المرءُ منكم، أن الناس إن سعت للحكم جميعها فلن تلقى إلا المهانة، ولعمدت إلى التدليس والخيانة، وذلك مانراه، حين تفتحُ أبوابُ صناديق العارِ كل أربعِ سنينٍ فتراهم سكارى يتصارعون من أجلها، فتمتلئ الدروبُ بالصور، لكل قرعةٍ أو ذاتِ شعر، كلٌ يسعى لأن يحكم الخلق، فيما لو بقى بمهنته لكان خير.
أيها الناس، من كانت لديهِ أمانةٌ فليردها إلى أهلها، ومن جرّهُ سوء خلق الناس إلى البذاءةِ فليترفع عنها، ومن تعرّى أمامه المال وهو ليسَ مالهُ فليمسك عنه يده، ومن أريدَ له الشركَ ليكون مقبولاً عند الظالمين فالقبولُ عند الله أعظم، ومن أرادَ له الفُسّاقُ أن يتمسك بحبلهم لينجو فحبلُ الله أوثق، واعلموا، إن من يعمل مثقالَ ذرةٍ خيراً يره، ومن يعمل مثقالَ ذرةٍ شراً يره، ذلك وعدُ ربكم.
أقولُ قولي هذا وأستغفرُ الله لي ولكم، إدعوهُ واثقين من إجابته، وصلى الله على الهادي البشير وصحبه وآله وسلّم، والسلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاته.
#رسلي_المالكي
___________________________________________
معلومات إضافية
- عودة: العودة الى مقالات رسلي
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.