حطامة ابن الأغبر يلتقي بالنائب المطيرجي

قيم هذه المقالة
(0 تقييمات)
Print Friendly, PDF & Email

حدّثنا (عوانة ابن الأشعث)، وهو رجلٌ يعرفُ مايقول، قال:

كنتُ قد خسرتُ تجارتي بين اليمنِ والشام، وتفرقت دنانيري بين الأنام، فلجأتُ أطلب ارتزاقاً في بغداد، فبها من الخير الكثرةُ والمَداد، ولما ولجتُ سوق الكرخ رأيتُ شاباً يلبس قميصاً مشجّرا، أحمراً وأخضراً، وقد انطبق صدرُهُ على ظهرِه، واستطال ذيلُ شعره حتى تهفهف على نحرِه، فكان كصلاح البحر أيام التسعين، وزاغت أنظارَهُ على المتجولين، وقد كان يصيح:

إنّي الذي لبسَ القميصَ مُشجّرا..
أصطدتُ خيرَ الطَيرِ (أشعلَ أحمَرا)..
هذا (كُمَرليٌ) وهذا (زاجلٌ)..
قد بعتُهُ لمن اشتراهُ فأكثرا..

فسألته: في أي عامٍ نحن؟ قال، في الألفينات أيها الرجُل، قلت: فمالك هاربٌ من التسعينات كأنك مطيرجيٌ في الليل بريكيٌ في النهار؟ قال: إنظرنِ إلى يومِ يحكمون..

يقول عوانة: فلم أفهم ماقصد بذلك، ولما دارت السنين، وحل القوم مكان الراحلين، وثُنيت الوسادةُ للدوثراكيين، ذهبتُ لذات السوقِ مارّا مُسيّرا، ومرقتُ بين بسطياتهِ متفرجا، وإذا بالناس قد تجمهروا على مكان، وتعالت أصواتهم في ذات الآن، فدافعتُ بينهم لأرى، وحشرتُ نفسي لأسمع، فما كان إلا أن رأيتُ ذلك البريكي وقد استقام ثوبه، وطالت أذياله، وقد فهمتُ أنه صارَ نائباً في مجلس الدولة، فتحلّق الناسُ حوله..

فلما رأيتُ ذاك، صفقتُ كفاً بكف، وضحكتُ ضحكَ الأخَف، وقبل أن أغادر الجمع، وأترك الحال والوضع، سمعتُ لرجلٍ صوتاً أجش، كصوتِ بائع العتيكِ إذا غَبش، فأنشد الرجلُ يقول للنائب:

تُخبّي أمسَكَ المدفونِ عندي..
وقد أخذَ (الكُمرليْ) منكَ وَطرا..
فلستَ بسعركِ الحاليِّ إلا..
بأرخصَ من زواجلَ كنتَ تَشرى..

فافتُضِحَ أمرَ البريكي، وانلاصَ ستايلهُ الأمريكي، فركب دابتهُ على عجالةٍ والناسُ تضحكُ عليه، حتى توارى بين البسطيات، واختفى بين العربات..

يقول: فاقتربتُ من صاحب الصوتِ الجَهور، ذو البيان الوَقور، ولمّا عاينتُ وجهه، وتفرستُ ملامحَه، إذا بهِ والله شيخي #حطامة_ابن_الأغبر، فسألتُهُ عن فعلته، فقال:

إياكَ تحترمَ الرعاعَ فإنّهُم..
يبقَونَ مهما قد علو كرُعاعِ..
وانظر لهم كيما عرفتَ بحالِهم..
فهم النخالةُ فوقَ سقطِ متاعِ..

ثم ركب دابتهُ ومضى.

 

 القصة من وحي الخيال، وإن أي تشابهٍ بينها وبين الواقع هو محضُ صدفة.

لبديع الزمان
#رسلي_المالكي

___________________________________________

 
 
 

معلومات إضافية

القراءات 22 مرة
المزيد في هذه الفئة: « حطامة ووزير التعليم

اترك تعليقا

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.

Image

للتحدث معنـا

عـدد الـزيارات

مجموع الزيارات للمــوقع 78611

حاليا يوجد 6 guests ضيوف على الموقع

Kubik-Rubik Joomla! Extensions