اوصيكَ يا بُنَي..
احط نفسك بالشجعان، بعديمي الخوف، سريعي البديهة، باولئك الذين يستمدون قوتهم منك ويمنحوك مزايا شجاعتهم، الذين يؤمنون في قرارة أنفسهم أن وصولك وصولهم، وعثرتك عثرتهم، المملوءة عيونهم خيرا، المثابرين خلال يومهم، الموجودين دائماً، المستعدين للقتال في معركة الحياة جنباً إلى جنب معك حتى النهاية..
اولئك الذين لا يتكلمون قدر ما يفعلون، وإذا وعدوا يوفون، الذين يفهمونك من نظرة، وتفهمهم من إيماءة، لا متحاسدين ولاباغضين ولامعاندين..
وإياك وابناء الجوع، والمختلين، والمرضى النفسيين، والباصقين بالصحن بعد أكل مافيه، والناكري الجميل، وإياك من المقارنين أنفسهم بك حسرة، فهم حسادٌ حقّادٌ خونةٌ غدارون، ولا تعفينّ عن سقطةٍ أبانت معادن الرجال على حقيقتها، أو غدرةً تلاها اعتذار، فإنك إن ضربت عدوك مرةً لعداوته، فلتضربنّ صاحبك عشر مراتٍ على غدرته، واحذر من اغتنى بعد فقر، فإن الفقر لجامُ العفاريت..
والحذرُ ممن لا يمسكُ لسانه إن أسررته، ومن لا يفلح إن أرسلته، ومن عرفته يعلم عنك أسراراً ليبتزك لاحقاً بما علم، فإن الرجال من كانت صدرهم صناديقٌ لا يكسر قفلها وإن اختلفت معهم، وباعد بينك وبين قليلي المرؤة، وعديمي الخلق، وكثيري التفحش، ومثيري الريبة..
من شتم نفسه أمامك لا قدر له، ومن لاقدر له لا يهتم بما تقوله عنه إن غدر وأساء، فاحذره، ومن رأيته اليوم متعالياً وفي الغد متذللاً إنما هو آفة البشر، فاسحقه، ومن رفعته فطغى فلتنزله حيث كان، ومن اغتنى من يمينك فنبتت له أنيابٌ نوى بها عض شمالك فاكسر فكه ولا تتردد، ومن رأيته يغلب الناس بلا حق فسيغلبك بلا حقٍ فامحقه، واجعل مهابتك على القريب والبعيد، ومعزتك على الغالي والرخيص، وضربتك للمسيء درساً لغيره.
وانعم، واكرم، وجُد، وساعد، حتى إذا لم يكونوا أهلاً لها كنت أنت أهلاً لها، واقض حاجة من احتاج، وكن صريحاً لتُهاب صراحتُك، فإن أذلَّ الرجال المجامل، وأشدهم نفاقاً الخائف من استياء الناس من كلمة الحق، وتوارى حين حقَّ أن تتوارى، وتراءى حين حقَّ أن تتراءى، وكن قدر مكانتك ولو على أقربهم إليك، واسع لسمعتك وكأن دارك قصرَ الخلافة.
واسعَ بكل مالديك كي لاتقف على باب أحد غير باب الرحمن، فإن ابن آدم منّان، واملأ يدك فلا تنبسط لأحدٍ بحاجة، ولا تنظر لهذا بمنصبٍ ولاتقدس ذاك لموضع، فكل ابن آدم من تراب، ومن علا فبأدبه، ومن هوى فبأدبه، وإنما صاحب السلطان ليخشى الشجاع، ويسود على المتملق الجبان، فلا يسودنّ عليك أحدٌ وأنت ترد الكلمة بمثلها، والموقفَ بضعفيه، أنى كان.
ولتكن مهابتك مسموعةً دون أن تتكلم، وخشيتك حاضرةً دون أن تحضر، وإن كنت ذي قبل بسيطاً متخوفاً متردداً فكن اليوم قبضةُ حديدٍ على لوح حديد، إن رنت أطربت، وإن ضربت كان طنينها يملأ الآذان وقرا، وإن كان عليك أن تحذر فممن غسل حديدك بعذب ماءه ليصدأ، وقل خيراً أو اصمت، إلا إن أرادوا سماع شرّك، وإن السكوتَ عقاب.
واعرف الله، فإن رأيت حدودهُ تخلفاً فستدور بك الحياة ثم تدرك أنها حق، وشكك بوحدانيته ووجوده ثم تراه في قرارة نفسك وتدرك أنه حق، ولا تُستنكف أهل بلادك فما أنت إلا ابنها، وادفع عنها الشر بما استطعت، وادلُ لها بالخير ما استطعت، فإن لم تجن ثمرته بحياتك جناها ولدك من بعدك، وكُل مما زرعوا، وازرع ما سيأكلون.
واعلم أن الحلال طيبٌ وإن جاء بالمرارة، وإن الحرام مرٌ وإن جاء بالحلاوة، ولم يأكل ابن آدم خيرٌ مما صنعت يداه، وما سكن في دارٍ أشد راحةً من التي خدش بناؤها راحتيه، وعرق بها جبينه، ولا تتكل على خير الناس، بل اصنع خيرك من أرض الله وخيرها، فإن الزراعة حلال، والصناعة حلال، والتجارة حلال، والحرفة حلال، إلا ما حرم الله..
ولا تكن للظالمِ عونا، لا تكن للظالمِ عونا، فإن اغتنى عن عونك أذلك، وإن لم يغتنِ أذلك، واذكر سادةً بدأوا نفراً قليلاً وسط طوفانٍ من الظالمين، فانتصروا وصاروا أمة، ولهج الناس بعدلهم وكلماتهم إلى يوم الناس هذا، وساروا على قولهم وفعلهم وسيسير القادمون عليه من بعدهم، واجعلهم قدوتك، واستمد من صلابتهم قدرتك، ولا تبخلن عليهم بالذكر الحسن..
وصلى الله على شيخنا الأمين، والمنقذ الحبيب، والقائد الخالد، والخاتم المختار، وسلم تسليماً كثيرا..
#رسلي_المالكي
___________________________________________
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.