عزيزي عبود (الجزء الثاني)

قيم هذه المقالة
(1 Vote)
Print Friendly, PDF & Email

قصة اخر عراقي (عبود ) الجزء الثاني

واقفا على حدود وطنه وناظرا اليه من الخارج، وقف عبود حائرا ..
هل سيتركه؟ لمن ؟؟!

حك راسه وهو ينظر للعلم لايزال مرفرفا بالمقلوب كما رفعه حين اخبرته ان يرفعه هكذا ، نظر من خلال الـ( بي ار سي ) الذي اقتطع ارض العراق من اراضي الكرة الارضية راسما خارطته المالوفة، لم يشأ العودة اليه .

لم يشأ ذلك، عندما مر امامه شريط الاحداث التي عاشها مذ ولد هناك، تذكر سيارات الايفا عندما كانت تقله آخذة اياه الى سواتر قاطع العمارة عندما كان جنديا مكلفا اخذ نحو معركة تحرير الشلامجة، لقد كانت الايفا تحمل نحو عشرين من رفاقه، وعادت به جريحا ..لوحده ..
لقد تحررت الشلامجة حينها .. ورغم ذلك، لم يمنحوه مترا واحدا في وطنه ..!

تذكر عودته بـ(بسطال) ممزق، وهو يجر بنفسه جرا، لقد مشى من الكويت الى الكوت بعد ان دمرت قنابل الحلفاء فرقته التي كان فيها محاولا الحفاظ على (الفرع) من ان يضيع من (الاصل)، ليت الامر كان الفرار من الاعداء فحسب، بل من الاصدقاء ايضا، اولئك الذين حاصروا رفاقا له وقتلوهم في البصرة ناعتين اياهم بالبعثية .

فر عن تلك الفكرة براسه، ليجد مراسي ذاكرته تلقى عندذلك اليوم المغبر، حينما راى اول مرة في حياته دبابات الابرامز، والجنود ذوو البشرة القوقازية المتطرفة او السوداء المتطرفة يقفون حولها، كان الجو مزعجا.. بل كان واقعا مزعجا ..

تلمس عبود لا اراديا ظهره وهو لا يزال ينظرعبر البي ار سي، لاتزال هناك تلك الندبة، وهي واحدة من عشر ندبٍ متقابلة في خطين متوازيين يفصل بينهما اثر طويل، كانت تلك اثار عملية رفع شظية تلقاها من سيارة مفخخة، حينما انفجرت على مقربة منه في بغداد الجديدة، كان محظوظا لان الامر انتهى كذلك، شعر بتلك النعمة عندما تذكر منظر النسوة و الاطفال حينها ، وهم على الارض يسبحون بدمائهم باطراف مبتورة .

افاق من ذاكرته على تشوش رؤياه، لم يعد يميز بين مربعات السياج بسبب غواشة كانت على عينيه، اصبح المنظر كانه يراه من وراءبلورة من الزجاج..
لقدكان عبود يبكي !

سحب نفسا ،وصرخ باعلى صوته : ليييييييش !!
تموجت شفتاه وخنقته العبره، سالت دموع ساخنه على خديه الذين جعدتهما السكائر التي دخنها طيلة حياته..

لماذا تزهر الاوطان ووطن عبود هكذا !
لماذا ترتاح الشعوب و شعب عبود يموت !!
لماذا لا نعيش ولا نموت، وبقينا بين العيش و الموت كل هذه السنين كدجاجة نصف مذبوحة ؟!
العيش و الموت ..
و الموت و العيش ..
الامل و اليأس ..
الدم و الورد ..

انتحب ،وجثا على ركبتيه ويديه وهو يصرخ : ليش !
كان على مسافة منه الى الخلف يقف حرس الحدود التركي وهم ينظرون اليه بفضول ..

نظر الى دموعه وهي تسقط على التراب .. التركي !
لم تشا تلك الدموع ان تخالطه، لقدكانت تتكور على نفسها كحمامة تضم جناحيها على فراخها، ادرك .. ان لا تربة ستحتضنه كما احتضنته تربة العراق !
برغم كل اوجاعها !

ضم شفتيه ورفع راسه ، نظر الى البي ار سي ، ثم نهض راكضا ، حافيا و ممزقا، متعبا و جائعا، ركض عبود نحو السياج، وقفز نحوه بخبرة جندي مكلف قضى سبع سنوات في ساحات العرضات او قفزا على السواتر، عبر ذلك السياج ، و اكمل بدموع تتطاير من امام (زلفه ) نحو العلم، جر حبله منزلا اياه ، قلبه .. ثم رفعه ..

جلس تحت العلم ذلك الغروب، حطت قربه حمامات الزاجل بسلام ، اتكا برأسه على السارية، واغمض عينيه ونام ..
لقد عاد عبود ..!

#رسلي_المالكي
20 يم الاول 1 هجرية
20 ايلول 2015

___________________________________________

القراءات 887 مرة

3 تعليقات

اترك تعليقا

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.

Image

للتحدث معنـا

عـدد الـزيارات

مجموع الزيارات للمــوقع 78836

حاليا يوجد one guest ضيوف على الموقع

Kubik-Rubik Joomla! Extensions