ذاكرة - المجرشة
كان الصحفي والباحث التراثي الراحل مهدي حمودي الأنصاري، من الكُّتاب المهتمين بكل ما يتعلق من تفاصيل وأحداث تخص الصحافة العراقية، والحياة الاجتماعية والسياسية في العهد الملكي، وما فيها من طرائف ومواقف ومفارقات، وكان من أكثر الصحفيين أدباً وتواضعاً في الملبس والمشي والتحية والحديث والمجلس.
أذكر أنني كتبت يوماً مقالاً يتضمن معلومة تخص نسبة قصيدة " المجرشة " للشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي، فأرسل لي الأنصاري في اليوم التالي لنشر المقال تعقيباً يوضح فيه أن الذي أشرت إليه في المقال والذي صاغ في ستينيات القرن الماضي قصيدة شعبية تقول بعض أبياتها : " ذبيت روحي عله الصحف وادري القلم ياذيها.. ساعة وكسر المحبرة والعن أبو راعيها"، هو الصحفي الرائد عبد المهدي الفائق، وقد دار شجار قَلَمي يومذاك على صفحات الجرائد البغدادية حول نسبة قصيدة المجرشة، فقد ذهب أحدهم انها لشاعرة عمارية، وقال آخر انها للملا عبود دون سواه، وهناك من كتب انها لشاعر كرخي غير الملا. ويذكر الأنصاري أنه التقى في العام 1969 مطرب العراق الأول محمد القبانجي، فسأله عن نسبة القصيدة بصفته أول من غناها، فقال، إنها للملا عبود الكرخي، ولو كان احدهم يقول إنها ليست له، لأراه الكرخي نجوم الظهر!، وكان صاحب جريدة " العندليب" عبد الأمير الناهض هو أول من قام بطبع قصيدة " المجرشة " بصفته قريباً للكرخي.
من طريف ما يُذكر، أن عبد الرزاق الفضلي صاحب جريدة " الأسرار" السياسية اليومية المسائية، كان قد نشر أيضاً قصيدة شعبية بلهجة بغدادية، على منوال قصيدة " المجرشة "، قال فيها : " ساعة وكسرك يا قلم.. وأحلف أبد ما شيلك.. جم دوب أتحمل قهر.. طول الدهر من ايدك.. متكلي آني شحصلت من بلشت وجنيتك ؟ ".
ولحديث " المجرشة " أكثر من صلة، بل أكثر من واقع وحقيقة، وأكثر من وجه، فما زالت مجرشة الكرخي تدور وتجرش وتسحق بين رحاها أرواحاً وأجساداً وعظاماً وأحلاماً وأوطاناً، ولو كان الكرخي حياً، لهاله ما يجري في عالمنا المضطرب هذا، من مصائب ونوائب ومظالم ومفاسد تستدعي لا أن يكسر المجرشة ويلعن أبو راعيها وحسب، بل يلعن أيامها وأبطالها ورعيانها وجارشيها ومجروشيها.
و.... ساعة وأكسرك يا قلم!. كما يقول الفضلي .
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.