مقالات مختارة

سياسية, اقتصادية, اجتماعية

"الانهيار" في أسواق المال وتداعياته في رواية رسلي المالكي

قيم هذه المقالة
(0 تقييمات)
Print Friendly, PDF & Email

 

في الوقت الّذي تتّخذ فيه معظم الرّوايات الطّابع الاجتماعي، أو تتوجّه نحو القضايا الحضاريّة، يطرح رسلي المالكي، القادم من عالم الشّعر، روايتَه" الانهيار" متّخذًا العالم البوليسي فضاءً للأحداث، وينطلق نحو مسرح الجريمة، وأجواء التّحقيق، والملاحقة، والتّحرّي، ومحاولة فكّ لغز رسالةٍ، تركها الرئيس السّابق قبل أن يتمّ اغتياله في السّجن على يد المخابرات العامّة.
مهدي العلي هو محامٍ يتمّ استدعاؤه إلى" الشّعبة الخامسة" مقرّ المخابرات لإطلاعه على وفاة موكّله الرئيس محمد المختار. تبدأ الأحداث الغريبة من الزّنزانة حيث لا تزال الجثّة ممدّدة، إذ يلاحظ وجود الرقم 39 على الحائط. ومن ثمّ تتوالى الإشارات التي تتضمّن هذا الرّقم. إلى أن يتلقّى شريطًا تعرض فيه الدقائق الأخيرة في حياة المختار، إذ تمّ القضاء عليه من خلال دسّ مادّة سيانيد الهيدروجين في البخّاخ الذي يستخدمه(ص.203)
في قالب أقرب ما يكون إلى التّصوير السينمائي، يقدّم رسلي المالكي أحداث الرواية، فيُظهِر عمل أجهزة المخابرات، ودورها في عمليات قرصنةٍ، قامت بها بالتعاون مع الرئيس، في سبيل الحصول على احتياطيّ عال من الذّهب لاستخدامه عند حلول الأزمة العالمية، حيث ستبرز الحاجة إلى" الحاكم الأشقر". يُعتقل محمد المختار بتهم الفساد، ويتم القضاء عليه كي لا يعترف بمخبأ الذهب. يقوم المحامي، وهو أستاذ في القانون، مع طالبته مها بفكّ شيفرات الرّسائل التي تصله، وتلك التي تركها والده مستشار الرّئيس. ويتعاون مع المدير العام للمخابرات، فيتمّ الكشف عن الكنز في الطّمي قرب نهر دجلة، وذلك في جوّ من التّوتر والاحتقان إثر إعلان سياسة التقشّف.
في الرّواية ما يتعارض مع المنطق، فعلى الرّغم من معرفة مهدي العلي أنّ هاتفه مراقب، وهو ملاحق من قبل المخابرات، إلّا أنّ الكاتب يتيح له التّحدّث بحريّة تامّة مع مها عبر غرفة الدردشة على الفيسبوك، وكأنّ هذه الوسيلة خارجة عن مدار السلطات وبعيدة من عيون الأجهزة الأمنية. يخبرها عن رسالة سريّة تركها المختار لضمان مستقبل البلاد. كما يتركه يتحدّث عن علاقة الماسونيّة بالأزمة الماليّة العالمية، و" ما خبّأه الرّئيس من أجل إنقاذ العراق من تلك الأزمة."(ص. 158)

يقحم الرّاوي نفسه، ومن ورائه الكاتب، في السّرد. ويتدخّل بشكل سافر مقدّمًا معلومات تتناول تاريخ العراق وحضارته. وكان بالإمكان أن تتولّى إحدى الشّخصيّات عمليّة السّرد لإدخال تلك الفقر ضمن النسيج الروائي، بدلًا من أن تكون دخيلة عليه. إلّا أنّ رسلي المالكي غالبًا ما افتتح بها فصول الرّواية، وسمح لنفسه أن يفسّر مثلًا الدّلالات التي يشير إليها نصب الحريّة في وسط بغداد" حيث صمّم النّصب ليروي قصّة الثّورة(...) ثمّ ينتصف النّصب ما يعبّر عن تفجير الثّورة التي نفّذها الجيش الممثّل بالجندي في وسطه، حيث يشدّ من أزره الشّعب الممسك بالبندقيّة ذاتها التي يمسكها الجندي."(ص.296)
ومن الظّواهر التي يمكن التّوقّف عندها في" الانهيار" هي الوصف، إذ لجأ الكاتب إلى هذه التّقنية للتّخفيف من سرعة السّرد. كانت الأحداث البوليسيّة تتسارع في الّرواية، وتجري باتّجاه حلّ لغز الكنز، فجاءت المقاطع الوصفيّة بمثابة فواصل تبطّئ تسارع التّطورات. واتّسم وصْف الأماكن بالواقعيّة؛ لقد نقلها الكاتب كما هي، وكأنّها صورة مطابقة من دون تدخّل في التّفاصيل، حتى ليبدو المشهد حقيقيًّا استطاع من خلاله أخذ القارئ إلى معالم متعدّدة في العاصمة العراقيّة.

القراءات 331 مرة
المزيد في هذه الفئة: أموات برتبة أحياء »

اترك تعليقا

تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.

Image

للتحدث معنـا

عـدد الـزيارات

مجموع الزيارات للمــوقع 83383

حاليا يوجد 8 guests ضيوف على الموقع

Kubik-Rubik Joomla! Extensions