في تأثير البيئة على شعر حطامة ابن الأغبر
كان حطامة ابن الأغبر مقيماً في بغداد، متنقلاً بين الجزرات الوسطية لأمانة العاصمة، متعثراً بطساتها، وقد عاصر في بغداد أسيجة الحدائق القبيحة، وعاش بين النصب التذكارية الوضيعة في العاصمة ودونها من المدن.
حتى كان إن ولج على كبير الخلفاء وواهب كراسي الملوك والرؤساء، دونالد بن ترمبة الأمير عكي، فلما اراد أن يمدحه قال له:
لبأسكَ بطشٌ عاصفٌ ومدمرٌ..
كإنك طساتٌ يلوحُ حصاها..
وجميلُ شَعركَ ناعمٌ ومُذَهَّبٌ..
فكمثلِ بغدادٍ لدى (ذكراها)..
وكأنكم مثل السياجِ بجزرةٍ..
الوانهُ الحمراءُ ما احلاها..
نصبُ البذنجان الذي في بصرةٍ..
قد مالَ سعداً عندكم وتماهى..
ذاك المقرنصُ قد تنتّف هائماً..
فوق الرصيف لوطئكم إياها..
فاستل حارس ترمبة سيفه، واراد قتل ابن الأغبر لتشبيهه رئيس امير عكا بطسات بغداد ونصب باذنجان البصرة وطابوق المقرنص واسيجة جزرات العراق، الأ ان ترمبة منع حارسه، وسأل حطامة قائلاً:
أي حطامة، أقضيت عمرك في العراق؟
قال حطامة: فبلى.
قال ترمبة: أعطيناك بيتاً في فيينا، فعش به، ثم ارجع لي بعد شهري هذا بِسِت.
فذهب حطامة ليعيش بداره الجديد في فيينا، ولما أتم الستة شهور، عاد لترمبة، ولما وقف امامه أنشد قائلاً:
يا دارَك ترامبُ ما أحلى لياليها..
كأنهما اللؤلؤ المكنون بانيها..
مُنارةٌ ليلُها كالصبحِ مُشتعلٌ..
تحومُ في كل درب مِن غوانيها..
دروبها الماسُ لامعةٌ ازقتها..
ان ماتت النفسُ ففيينا ستحييها..
يا داركَ ترامب كل النفسِ في ولهٍ..
شوقاً إلى خطوةٍ فيها فتمشيها..
فصفق ترمبة لابن الأغبر وقال لمن كان في مجلسه:
عاش تحت حكم الذوقسزية في العراق، فكتب ما كتب، وعاش تحت حكم الاوادم في فيينا، فكتب ماكتب.
ولما همَّ حطامة بإكمال ما بدأ، قال ترمبة:
أوقفوه، فإني أكادُ أن يذوبَ هياماً وذوقا.
لبديع الزمان
#رسلي_المالكي
___________________________________________
معلومات إضافية
- عودة: العودة الى مقالات رسلي
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.