يوم بَكى توفيق الحكيم
المؤلف : د . طه جزاع
في الذكرى الخامسة والثلاثين لرحيله التي حلت الأسبوع الماضي، تستذكر «أخبار الأدب» المصرية توفيق الحكيم بملف صحفي تنشر فيه للمرة الأولى رسالة شخصية كتبها إلى السيدة هداية سلماوي أرملة ولده إسماعيل الموسيقار الشاب الذي رحل في ريعان شبابه.
ولأن هذه الأسبوعية الأدبية تمتاز بالخبرة المهنية لصدورها عن دار صحفية عريقة هي «دار أخبار اليوم» منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً وكانت يومها برئاسة تحرير الروائي المصري الراحل جمال الغيطاني، فإنها قدمت مادة صحفية جديدة ومثيرة للقراء، فلم تعد هناك أشياء كثيرة غير معروفة عن سيرة وفكر وأدب ومسرح النائب في الأرياف، صاحب عودة الروح قبل أن يعود إليه الوعي، الأديب والكاتب الذي أعاد للحمار اعتباره وحاوره حوار الند للند، فكانت تلك الرسالة الوجدانية المؤثرة التي كتبها توفيق الحكيم بخط يده (بتلقائية ودون مراجعة على ورق «دشت» مما كنا نستخدمه في الأهرام لكتابة الأخبار) كما يكتب محمد سلماوي، شقيق هداية التي كان يناديها حماها باسم الدلع هايدى أو هيدى، ويختتم رسالته بتوقيع دودو، مثلما كانت تدلل به حماها الكبير .. رسالة الحكيم إلى هايدى كتبها في مناسبة الذكرى الأولى لرحيل ولده يوم 25 أكتوبر 1979 وفيها حزن عميق، وأسى وشجون مما يحسه أي والد يفقد ولده مبكراً بخلاف التسابق الطبيعي بين الموت والحياة، ولعل أعمق اللحظات الإنسانية في رسالته تلك التي تخص «رينو» الكلب الذي تركه اصحابه ورحلوا: « وكان البيت كله غارقاً في السكون التام، فصوره في المطبخ ولا تدري بشيء ورينو ذهب، وكأنه هو أيضاً لم يجد له مبرراً لوجوده بعدكم. فقد استلمته منذ أيام قليلة أكاديمية الشرطة بتوجيه من وزير الداخلية بالعناية به. وسلموني بالفعل خطاباً بخط مدير أكاديمية الشرطة يطمئنني على استلام الكلب ويؤكد لي أنه سيكون في الحفظ والصون .. وأنا وحدي أعيش وحيداً لأتألم وأتعذب، وبكيت, لم يحدث اني بكيت يوم وفاته». ويختم الحكيم خطابه بحسرة وألم ليقول: «ومات ابني المسكين ولم احقق له مرة رغبته!! «. عدا ذلك فإن الملف تضمن حواراً نادراً كانت قد أجرته أمينة النقاش في أولى خطواتها المهنية في العمل الصحفي قبل 50 عاماً مع توفيق الحكيم تحدث فيه مطولاً عن مختلف شؤون الأدب والمجتمع والتعليم والسينما والشباب والشيخوخة والحب والحياة، ولعل اللافت في هذا الحوار السؤال المتعلق بولده إسماعيل أيضاً، وعن علاقته به التي يصفها بأنها « تكاد تكون علاقة بين شخصين عاديين منفصلين، لا يجتمعان إلا في فترات قليلة، كلا منا مشغول بعالمه وأعماله الخاصة في الحياة، وقد اختار هو بمحض إرادته طريقه في العمل كما اخترت أنا طريقي «. يُسجل للصحافة الأدبية المصرية المعاصرة، وأخص بالذكر منها « أخبار الأدب» التي يرأس تحريرها حالياً الصديق علاء عبد الهادي أنها تواكب بمهنية صحفية عالية الأخبار والأحداث الأدبية والثقافية المهمة ليس في مصر وحدها، إنما في البلدان العربية والعالم، وتقدم ملفات واسعة تنجز بسرعة حول أسماء قد لا تكون معروفة لكنها برزت فجأة بعد حصولها على جائزة كبرى بمستوى جائزة نوبل للآداب أو جائزة بوكر على سبيل المثال ، والأهم من ذلك كله هو استمراريتها شأنها شأن الصحف المصرية الكبرى كالأهرام التي مازالت ترويستها تحمل اسمي سليم وأخيه بشارة تقلا مؤسسيها الأوائل منذ العالم 1876 . ولا أقصد بالصحافة الأدبية المجلات الشهرية والفصلية، أو الأكاديمية المتخصصة، بل الصحف الأسبوعية التي تهتم بالأدب وتقدمه وتسوقه بمهنية صحفية خبراً وتقريراً ومتابعة، فضلاً عن نشر النصوص الشعرية أو القصصية والحوارات ذات الطابع الأدبي والثقافي العام .وقبل عامين حاولتُ مع الزميل علاء عبد الهادي رئيس تحرير» أخبار اليوم» إيجاد وسيلة لإيصالها ورقياً إلى الوسط الأدبي في العراق، بالأخص بعد اهتمامها بالشأن الثقافي والفني والنتاج الأدبي للكتاب والأدباء العراقيين، غير أن تلك المحاولة لم يكتب لها النجاح لأسباب عديدة في مقدمتها كلفة النقل الجوي، وغياب الجهة التي يمكنها التعهد بالاستلام والتوزيع، وقبل ذلك كله ربما غياب القارىء الحريص للحصول على نسخة ورقية من جريدة أدبية .
اترك تعليقا
تأكد من إدخال جميع المعلومات المطلوبة ، المشار إليها بعلامة النجمة (*). كود HTML غير مسموح به.